عندما رأى البعض أحد المسؤولين يحمل بقية الأكل الذي اشتراه من المطعم اعتبروا الأمر خارقاً للعادة؛ فالمرء إن حفظ النعمة فعل واجباً، والواجب أمر لا يشكر فاعله كونه شيئا مقابل شيء، ولا ريب أن هذا السلوك يؤدي بالمشكور إلى حالة من التعالي والثقة المفرطة بالنفس، بل والغرور أحياناً.. وتبعاً لذلك فإنه من الناحية النفسية سيقتنع بأن كل عمل يعمله صحيحاً أو معصوماً لاستحضاره المستمر اللاشعوري لمدح الناس له وإجلالهم ظلماً وتجاوزاً! لماذا يعظمون الأمر ويجلونه وكأن هذا المسؤول من فصيلة غير البشر أو لكأنه غير مكلف من قبل ربه بفعل الحسن وكأن لديه عند الله على الخلق امتيازات.. ويجب ألا ننسى أن من شأن هذا المنحى الخاطئ أن يصنع طبقية بغيضة داخل المجتمع، ومن تبعات ذلك تفرق وتشتت وإيقاف عجلة تطور وخمول أمة! عندما تنظر في العالم حولنا فإنك ترى رئيس إحدى الدول يقبل يد مواطن لأمر معين يخصهم، ولم نجد من هذه البهرجة والتغريدات لديهم عشر ما لدينا! حتى إنك ترى رئيس دولة أو ولاية ما أو مقاطعة يتسوق بشكل طبيعي ولا يجد أدنى تملق من أصغر الباعة، وهذا هو الأمر الطبيعي الصحيح، وما افتعله بعض أفرادنا هو الخاطئ المقيت. إن رسولنا الأكرم عندما كانوا يطرونه مدحا كان يجيبهم بقوله (إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)! وعندما استغرب بعض أفراد وقته صلاة ربي عليه (ما لهذا النبي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) ساق الله استغرابهم وختمه بقوله (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا)؛ وكان حبيبنا المصطفى يأتي إليه الرجل ليحمل عنه متاعه فيرفض قائلاً (صاحب الشيء أحق بحمله)؛ لم لا يرسخ هذا المبدأ منهجياً في مدارسنا ولقاءاتنا التوعوية، بل وحتى في مساجدنا.. ويحث عليه كبير القوم وصغيرهم ؛ فلا علاج أنجع ولا ترياق أنجح من هدي رب البرية.
مشاركة :