«لا أبالي بأمور خارجة عن سيطرتي»، قال بول راين جواباً عن أسئلة تتناول فضيحة فلين وطرد كومي. والجواب هذا قد يبدو في محله إذا لم يحتسب المرء أن صاحبه هو رئيس مجلس النواب الأميركي، وهذا جسم تشريعي يملك صلاحية استدعاء رئيس السلطة التنفيذية وإلزامه المثول أمام القضاء وصلاحية عزله. ويدعو إلى الأسف أن الجمهوريين لا يرغبون في التزام دور مراقب. وهم قد يلجأون إلى محاسبة الرئيس نزولاً على استطلاعات رأي سلبية، ولكن إلى اليوم لا مؤشرات إلى أن ثمة من يقيم وزناً بين الجمهوريين البارزين للدستور والمصلحة الوطنية العامة. ولكن، كيف آلت الأمور إلى هذا؟ وماذا ألم بالجمهوريين؟ أولاً، لا يخفى أن الجمهوريين هم سياسيون محترفون، شأن شطر راجح من الديموقراطيين. لكن الحزبين هذين ليسا على حد سواء، وثمة فرق بينهما. فالحزب الديموقراطي هو تحالف مجموعات مصالح تتقاسم بعض الرؤى وتجمع عليها وتختلف على غيرها وتتنازع. والسياسيون في الحزب الديموقراطي يحرزون النجاح من طريق المساومة والحلول المقبولة. وعلى خلاف الحزب الديموقراطي، ركن من أركان الحزب الجمهوري هو الحركة المحافظة وأيديولوجيتها المتصلبة (إيلاء الأولوية لخفض الضريبة على الأثرياء). وأركان بنية الحزب الأخرى تشمل وسائل إعلام أسيرة تردد مثل الببغاء خط الحزب في كل شيء. وخير مثل على ذلك هو نقل «فوكس نيوز» التطوارت السياسية الأخيرة نقلاً يعرض واقعاً بديلاً كأنها من وسائل كوريا الشمالية الإعلامية. وهذه البنية المتجانسة تتمسك بالولاء المطلق. وهي (البنية) رسخت منذ وقت طويل: مضى على انتخاب رونالد ريغن 36 عاماً. ولكن، هل جمهوريو الكونغرس كلهم اليوم «كائنات» سياسية بيروقراطية منضوية في جهاز حزبي وتقدم الولاء للحزب هذا على غيره من المبادئ؟ وكان طابع الحزب هذا، البيروقراطي المتصلب، راجحاً في انتخابات العام الماضي. فعلى سبيل المثل، محافظو فرنسا لم يصوتوا لمارين لوبن، ولم يؤيدوا مرشحة لا يثقون في دواعيها ولا في مؤهلاتها، على خلاف الجمهوريين الذين رصوا الصفوف وراء مرشحهم، وهم يعرفون حق المعرفة أنه غير مؤهل للمنصب هذا ويشتبهون بفساده ويدور كلامهم على احتمال تقاضيه أموالاً من الروس. فهم أيدوه لأنه مرشح جمهوري في صناديق الاقتراع فحسب. وإلى اليوم، مع توالي فصول قصة ترامب - فلين - كومي وتفاقمها، لم تنشق صفوف الجمهوريين. وصفوفهم خاوية من أمثال هاورد بايكر، السيناتور الجمهوري الذي سأل في تحقيق «ووترغايت» سؤالاً ذاعت شهرته:» ماذا يعرف الرئيس، ومتى علم به (تناهى إليه)؟». فأمثاله غادروا الحزب الجمهوري منذ وقت طويل. ولكن، هل خلاصة ما تقدم أن الرئيس الأميركي سيصمد في منصبه على رغم الفضائح وسوء استخدامه السلطة؟ نعم، هذا أمر محتمل. فالجمهوريون لن ينقلبوا على الرئيس ما لم يشعروا بأنه عبء سياسي يجب التخلي عنه في الانتخابات المقبلة. ومن حظنا أن ترامب على هذا المنوال. وما أقصده أن الحزب الجمهوري هو في حال كانت لتسير بنا نحو الأوتوقراطية (حكم الفرد المطلق الصلاحيات) لو أنه انتخب رجلاً يمسك أكثر بزمام نفسه. * معلق، اقتصادي حائز نوبل للاقتصاد، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 19/5/2017، إعداد منال نحاس
مشاركة :