المؤتمر الفلسفي العربي التاسع، الذي نظمته الجمعية الفلسفية الأردنية في عمّان بين 18 و20 مايو الجاري، إلى إعادة الاعتبار للفكر الفلسفي والتأكيد على أهمية دوره في نشر ثقافة التنوير، وإعطائها القيمة الواقعية التي ينبغي أن تشهد توافر المناخ والبيئة الضرورية من الحرية والجراءة في تغيير نمط التفكير السائد لدى الشعوب العربية، لإذكاء روح الإبداع في التعبير والتفكير والتقدم للجميع.العرب عواد علي [نُشر في 2017/05/25، العدد: 10643، ص(15)]الفلسفة تحرر العقل وتصون جرأة التعبير في المجتمع أصدر المؤتمر الذي حمل عنوان “التنوير في الفكر العربي”، بيانا ختاميا أوصى فيه بضرورة التنسيق المستمر بين الجمعيات الفلسفية في المؤتمرات القادمة، وإيلاء اهتمام أكبر بالطابع الفلسفي والمقاربات الفلسفية في المؤتمرات القادمة، وتنظيم فعاليات مشتركة مع الجهات والأوساط المعنية بقضية التنوير والعقلانية والعلمانية، والدعوة إلى تكامل الجهود الإعلامية والتربوية من أجل تعميم الأفكار التنويرية على مستوى الجماهير وعدم حصرها في النخب، وتشجيع المهتمين والمشتغلين في الفلسفة من الشباب على المشاركة وحضور المؤتمرات الفلسفية. كما حث المؤتمر وزارات التربية والتعليم في العالم العربي على العودة إلى تدريس الفلسفة في مناهج التربية، وتعميم تدريس مقرر فلسفي في الجامعات الحكومية والخاصة، وضرورة تدريس فلسفة كل علم من العلوم مع مواده التطبيقية، والتركيز على تلازم التنوير مع فعل التحرر الوطني والقومي. واقترح المؤتمرون أن يتناول المؤتمر القادم أحد العناوين التالية: مصائر الفلسفة في المجال العربي، القول الفلسفي بالعربية: إشكالية الترجمة، النقد الفلسفي: نماذج ونصوص، وإشكالية المفاهيم، والسعي إلى إصدار مجلة فلسفية محكمة وموقع إلكتروني بالتعاون مع الاتحاد الفلسفي العربي والجمعيات الفلسفية العربية. ووجه المؤتمر تحيّة خاصة إلى شهداء الفكر التنويري في العالم العربي، وإلى أسرى الكرامة والحرية في سجون الاحتلال الإسرائيلي.حياة الحويك عطية: نشر ثقافة التنوير يحتاج إلى سياسات إعلامية وتوزعت جلسات المؤتمر، الذي شارك فيه مفكرون وأكاديميون وباحثون من الأردن، لبنان، فلسطين، العراق، مصر، تونس، والجزائر، على مجموعة من المحاور وهي: “مفهوم التنوير”، “أعلام التنوير العربي”، “التنوير الإسلامي”، “الإعلام والتنوير”، اشتملت على أوراق بحثية لكل من هشام غصيب (الأردن) بعنوان “نحن وعقيدة التنوير”، محمود حياوي حماش (العراق) بعنوان “العلم وعقلنة الثقافة”، عفيف عثمان (لبنان) بعنوان “مقاربات في النهضة العلمية العربية”، نايلة أبونادر (لبنان) بعنوان “التنوير الإسلامي والمسألة الأخلاقية”، نارت قاخون بعنوان “التنوير المهدر”، جورج الفار (الأردن) بعنوان “التنوير المستقبلي”، علي حمية (لبنان) بعنوان “مقاربة فلسفية في رسالة أنطون سعادة لشارل مالك”، محمد الشياب (الأردن) بعنوان “التأويل عند نصر حامد أبوزيد”، مجدي ممدوح (الأردن) بعنوان “الألتوسيرية في الفكر العربي: حالة هشام غصيب”، وجويدة جاري (الجزائر) بعنوان “المشروع الحداثي عند عبدالله العروي”. كما تضمنت الأوراق إسهامات لكل من محمد السيد (مصر) بورقة عنوانها “مقاربة في مشروع فؤاد زكريا”، حاتم رشيد (الأردن) بورقة “اللاعقلانية في السياسة العربية رؤية ياسين الحافظ”، أحمد عطية (مصر) بورقة “التنوير العربي”، أحمد العجارمة (الأردن) بورقة “رشدية الجابري”، حامد الدبابسة (الأردن) بورقة “الحقيقة عند ابن رشد”، أسامة بركات (الأردن) بورقة “النهضة والتنوير العربي”، محمود شتية (فلسطين) بورقة “التنوير في الفكر العربي” وعامر شطارة (الأردن) بورقة “لمن تقرع أجراس التنوير”. وتحدث في جلسات المؤتمر أيضا كل من كايد شريم (فلسطين) عن “راهنية مهدي عامل”، محمد العريبي (لبنان) عن “منطلقات النهضة وشرنقة التنوير”، ماهر الصراف (الأردن) عن “فلسفة الجسد”، وائل أبوصالحة (الأردن) عن “الوعي وتجلياته الفلسفية” قاسم عزالدين (لبنان) عن “النيوليبرالية العربية”، حياة الحويك عطية (لبنان) عن “الإعلام والتنوير”، موفق محادين (الأردن) عن “أدوار الإعلام في صيرورة التنوير”، عائشة الحضيري (تونس) عن “قراءة النص عند أركون”، أماني جرار (الأردن) عن “الفلسفة الأخلاقية عند المفكر سحبان خليفات”، لينا جزراوي (الأردن) عن “الفكر النسوي العربي”، وأسامة عايش (الأردن) عن “التنوير الغربي مؤنسنا”. وقد ركز المشاركون في هذه المحاور على مفهوم التنوير وحقوله وأبرز أعلامه العرب، إضافة إلى رسالة التنوير وتعميمها، أولا، كحقل معرفي في مواجهة الإرهاب والظلامية، وثانيا، كحقل اشتباك مع تحديات التحرر والتقدم والتنمية وفك التبعية من أجل إعادة الاعتبار للفكر الفلسفي والتأكيد على أهمية دوره في نشر ثقافة التنوير. وكان رئيس الجمعية الفلسفية الأردنية موفق محادين قد تحدث في افتتاح المؤتمر عن تاريخ التنوير في العصور الغربية والعربية، والعرب وعصور التنوير البرجوازية، لافتا إلى أن خطاب التنوير الحديث لم يكن في أوروبا خطابا مجردا يمكن استعارته، ودون ملاحظة الشرط التاريخي له، وهو الثورة الصناعية البرجوازية وما ولّدته من دول قومية في تشكيلاتها وخطابها الذي يدعو إلى الحرية والعقل والعلم والعلمانية، وأن الانتكاسات التي تكالبت على كل من مصر، الشام، والعراق، كانت بفعل اتفاقية “سايكس بيكو”، وهذه الإرهاصات التنويرية أخذت بعدا أيديولوجيا تجريديا بعيدا عن سياقاته الموضوعية الحقة. كما أكد على أن أهمية انعقاد هذا المؤتمر تأتي بالنظر إلى الخطر الذي يمثله الخطاب التكفيري على المجتمعات وعلى الثقافة الوطنية والقومية، وأن مثل هذا الخطر يؤدي إلى تفسّخ المجتمعات واتساع الهويات القاتلة وحجز التطور المدني للأمة وإعاقة سبل نهضتها. أما رئيس الاتحاد الفلسفي العربي وليد الخوري، فرأى أن إعادة الاعتبار للعقل الفلسفي ولدوره في نشر ثقافة التنوير وقيمها يتلازم معها توفر مناخ من الحرية، يصون الجرأة في التفكير والإبداع في التعبير ويعزز الحوار باعتباره المنهج المصاحب للعقد الفلسفي منذ بزوغ فجر الفلسفة إلى يومنا، فالحوار هو وليد ثقافة يعترف بها كل طرف من الأطراف المتحاورة، إنه لا يمتلك الحقيقة كلها بل هي خلاصة يشترك الجميع في استقراء حظ كل طرف منها تمهيدا لصوغها تعبيرا عن إرادات متفاعلة متكاملة، وعبر الحوار تنكشف علامات التواصل والتآنس بين معقوليات العقل المختلفة وبين الثقافات المتنوعة والآراء المتباينة، ويمتنع انزلاق الاختلاف إلى خلاف يذهب أطرافه إلى حد القطيعة المسكونة، إن لم يكن بالعنف فيما يوازيه ظلما وظلامية.
مشاركة :