حزب العمال أحد ضحايا هجوم مانشستر بقلم: أحمد أبو دوح

  • 5/26/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

بالنسبة إلى ماي المطلوب من الناس هو ترجمة مخاوفهم في صناديق الاقتراع. إذا حصل ذلك فسيحقق المحافظون الهدف الذي دعوا إلى إجراء الانتخابات من أجله.العرب أحمد أبو دوح [نُشر في 2017/05/26، العدد: 10644، ص(7)] أقوى ما يقصم ظهر بريطانيا في عملية مانشستر هو التوقيت. من نفذ وخطط لهذه العملية لم يكن ليحلم بتحقيق نجاح أكثر إبهارا مما تحقق. منفذو الهجوم استهدفوا قاعة حفلات في مانشستر كي يضربوا الإنتخابات العامة، التي من المقرر أن تجرى خلال أقل من أسبوعين، في مقتل. لو حصل هذا الهجوم في إحدى الدول العربية التي تقضي الليل والنهار على وقع نظرية المؤامرة، لصار الجميع على يقين بأن الحكومة هي من تقف وراءه. في بريطانيا الناس لا يفكرون بهذه الطريقة. لا مجال للمؤامرة في عملية إرهابية راح فيها ضحايا أغلبهم من الأطفال. حزب العمال أيضا كان أحد هؤلاء الضحايا. في الأسابيع الماضية كان تحول جذري يجري بهدوء على الساحة السياسية البريطانية. جيريمي كوربين، الزعيم اليساري المتطرف لحزب العمال، الذي لم يكن أحد يعتقد أنه يصلح لقيادة البلد، بدأ في الإقلاع التدريجي. الفارق الشاسع الذي أظهرته إستطلاعات الرأي بين الحزبين أخذ في الانحسار، والناخبون الذين يصوتون تقليديا للعمال بدأوا يعيدون النظر في مقاطعتهم للاستحقاق برمته. ثمة مفارقة ساعدت كوربين على تحقيق ذلك؛ وهي التنافس بين شعبويتين. الشعبوية اليسارية التي يمثلها، والشعبوية اليمينية التي تحاول رئيسة الوزراء تيريزا ماي أن تتبناها. ماي نجحت من دون شك في إقناع الناخبين بأنها “ترامب بريطانيا”. خلال أيام قليلة تمكنت من سحق حزب الإستقلال المتطرف بعد أن أعادت تموضع حزب المحافظين كمدافع عن “خروج صعب” من الاتحاد الأوروبي، وعن سياسة أكثر حزما في مواجهة الهجرة خصوصا من أوروبا. المصوتون التقليديون لليمين المتطرف صوتوا للمحافظين في الانتخابات المحلية التي أجريت في بريطانيا مطلع هذا الشهر. خرج حزب الإستقلال اليميني المتطرف من هذه الانتخابات بلا مقاعد، بعدما كان يستحوذ في السابق على 145 مقعدا. بعد ذلك بدأت ماي تتحرك باتجاه اليسار من أجل سحق حزب العمال الذي بدا ضعيفا ومفككا. الإنقسامات داخل هذا الحزب بين المعسكر الداعم لأوروبا والمعسكر المشكك في جدوى البقاء فيها أدخلته عمليا في غرفة العناية المركزة. كانت هذه فرصة ماي التي كانت قد دعت أصلا إلى إجراء انتخابات مبكرة لأنها تفهم أنها فرصة لن تعوض. حزب العمال كان كالجريح الذي ينتظر رصاصة الرحمة. ماي تقدمت كي تطلقها عليه. لكن خلال أسبوعين فقط حصلت المعجزة. صعود كوربين المفاجئ كان انعكاسا على قرار اتخذ بين أروقة الحزب وهو: اللجوء إلى شعبوية كوربين وتحويلها من جزء من مشكلته مع مؤيدي الحزب التقليديين، إلى جزء من الحل. الخطة هي إبعاد أنظار الناخبين بقدر الإمكان عن مناقشة قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي، وإغراق الناس في تفاصيل قضايا إجتماعية واقتصادية تمس حياتهم اليومية. سارع الحزب في حمل شعار الدفاع عن الفقراء عبر التعهد بالقضاء على رسوم الدراسة الجامعية، وفرض المزيد من الضرائب على أصحاب الأجور المرتفعة، وتأميم السكك الحديد وخدمات البريد والطاقة والصناعات الرئيسية. دعك من واقعية هذه الخطط أو منطقية تحققها. وسط القصف المتبادل للشعبويين هذا لا يهم. مع الوقت بدأت بوادر نجاح خطة العمال تظهر. تمكن كوربين عبر تجاهل قضية البريكست من تحقيق أمرين: الأول معالجة الانقسام الداخلي في الحزب ولو مؤقتا، والثاني هدم “مبدأ ماي” الذي يقوم على تحويل هذه الإنتخابات إلى “استفتاء” آخر على قضية العلاقة مع أوروبا. في المقابل، وضعت جرأة ماي الزائدة حزب المحافظين تحت ضغط كبير. هذه سيدة كانت مقتنعة بأنها ستفوز بفارق شاسع في الانتخابات مهما حصل. هذا الاعتقاد دفعها إلى تبني سياسات راديكالية تتعلق بنظام الحماية الاجتماعية، وفرض قيود على تقديم الوجبات المدرسية، ورفع الدعم الحكومي عن الرعاية بالمرضى من كبار السن. النتيجة كانت أن تمكن كوربين من تقليص الفارق بينه وبين ماي بمقدار النصف. هنا تبدو الأهمية القصوى لتوقيت الهجوم في مانشستر. ماي تنتمي إلى نوع من السياسيين الذين عادة ما يكونوا مستعدين لفعل أي شيء إذا شعروا أنهم محشورون في الزاوية. ماي مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى من أجل الحصول على فوز كاسح. إذا كان كوربين شعبويا، فهي تستطيع أن تصبح “أم الشعبويين” جميعا. رفع درجة الاستعداد الأمني في بريطانيا إلى الدرجة القصوى، والدفع بوحدات من الجيش لتأمين المؤسسات الحيوية، حققا لها ما تريد. في هذه الأوقات الصعبة، كلما زاد منسوب الخوف صعدت أسهم اليمين. بعد العمليات الإرهابية الكبيرة، خصوصا في الدول المستقرة، لا يحتاج الناس إلى عملية أخرى تذكرهم بأنهم خائفون. الحديث الدائم في وسائل الإعلام عن خطر “تهديد الإرهاب” كاف لإنجاز استراتيجية “الإرهاب بالتهديد” التي غالبا ما تحقق المرجو منها. رؤية جنود مدججين بالأسلحة في شوارع لندن تضفي طابعا جديا على جوهر هذا التهديد وظروفه. ماي تدرك أن وجود الجيش في الشارع لا يجب أن يطول. اعتياد الناس على “عسكرة” المجال العام ليس مفيدا. مع الوقت قد يصبح مشهد الجنود والعربات المدرعة جزءا من حياة الناس اليومية، مثلما حصل في فرنسا. هناك لم يعد وجود الجيش علامة على أن البلد يواجه تهديدا ما. مشاعر الناس تجاه هذا التهديد صارت باردة. هجوم مانشستر أعاد قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي ومسألة الهجرة إلى قلب المعادلة الإنتخابية مرة أخرى. هذا يعني أن على كوربين أن يعاود البدء من الصفر مجددا. بالنسبة إلى ماي اليوم المطلوب من الناس هو ترجمة مخاوفهم في صناديق الاقتراع. إذا حصل ذلك فسيستعيد المحافظون زمام المبادرة، وسيحققون الهدف الذي دعوا إلى إجراء الانتخابات من أجله، وسيُسحق العمال. كاتب مصريأحمد أبو دوح

مشاركة :