مانشستر أرينا واللحظة التاريخية للحرب على الإرهاب بقلم: حامد الكيلاني

  • 5/27/2017
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

هل من الصعب تعقب الإرهاب ومصادر تمويله أو تمريره أو أهدافه أو قراءة تاريخه أو جرائمه؟ أم إننا لم نعد نبالي بأرقام الضحايا الأبرياء في المدن المدمرة، وغدا في معظم مدن العالم بحكم قانون استمرارية الإرهاب دون رادع.العرب حامد الكيلاني [نُشر في 2017/05/27، العدد: 10645، ص(8)] في نهاية مارس الماضي سلمت بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي رسالة موقعة من رئيسة الوزراء تيريزا ماي للبدء بفترة مفاوضات للخروج من الاتحاد، وفي كلمتها بمجلس النواب رددت كلمات تحفز الشعب البريطاني على الوحدة والعمل والتضامن في لحظة وصفتها بالتاريخية لأنه ليس بالإمكان العودة إلى الوراء، أي إلى ما قبل الاستفتاء على الخروج البريطاني “البريكست”. الإيحاء العام في الشكل والمضمون لتلك العبارات ومعها التصريحات لعدد من الشخصيات الفاعلة في الاتحاد الأوروبي، والتي تضمنت الأسى لمشاعر الطلاق الودي ولأسباب موجبة أو قاهرة لا علاقة لها بالرغبة في استمرار العقد الأساس بكافة بنوده وتعهداته، لأن بريطانيا رغم صدمة الاستفتاء ستظل في مركزها الاستراتيجي داخل حلف الناتو أو علاقاتها المتعددة مع أوروبا. جريمة الهجوم الإرهابي على قاعة مانشستر أرينا وبعدد الضحايا وأغلبهم من الشباب وصغار السن والأطفال، فتحت الأبواب أولا لإعادة ترصين دعامات ومرتكزات الأمة البريطانية في حماية أمنها وسلامة مواطنيها، مع تراجع الطموحات السياسية للأحزاب في صراعها التقليدي للوصول إلى السلطة وحصد أصوات الناخبين؛ يحصل ذلك في ذروة الحدث، وبما أن الانتخابات البريطانية لم يتبق لها سوى فترة قصيرة فطبيعي جدا أن المشاعر العامة وحجم المأساة وبالذات لأسر الضحايا لن تكون عابرة في صناديق الانتخاب أو لدى الأحزاب وقياداتها. أوروبا ومعظم دول العالم تضامنت مع بريطانيا، في دلالة على جوهر التقاء يمكن البناء عليه، ويتمثل في الخوف والحرص على الحياة الإنسانية أينما كانت، لأن ما أصاب بريطانيا في حقيقته الاعتبارية والعملية هو امتداد للتفريط في أمن العالم ومنها في منطقة الشرق الأوسط حيث يضرب الإرهاب بإنتاجه الواسع وقائع السياسة والسلم المجتمعي وبإرادات واضحة لم تعد حكرا على مافيات أو مجموعة عصابات خارج القانون. الفقر والجوع واليأس وضياع الأمل مواد أولية لصناعة إرهاب من نوع آخر في بعض أجزاء أفريقيا؛ ومشاهد الهجرة غير الشرعية والهروب الجماعي من أغنى قارات العالم والموت غرقا بالجملة وعذابات اعتقال وتجارة رقيق أصبحت أخبارا يومية بل وفي ذيل الاهتمامات الإعلامية، كما هي أخبار الموت والتشرد في الموصل وغيرها من المدن التي تتسرب منها بشاعات الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان وبالوثائق المكتوبة والمصورة من قبل الوحدات النظامية أو الحشد ولأسباب طائفية صرفة. تسارعت الدول بكافة توجهاتها إلى التضامن والوقوف إلى جانب بريطانيا وإبداء استعداداتها لكل أنواع الدعم؛ فلماذا لا يتحول هذا الدعم في لحظة تأمل تاريخية في مصير الإنسانية وفي واقع انهيارها وتداعيها الشديد في الأمن وفي العديد من الدول نتيجة للإرهاب، إلى جهد دولي مؤثر داخل أروقة مجلس الأمن وهو أعلى هيئة أممية كافلة وضامنة لاستقرار الأمن في العالم، بدلاً من الجدل العقيم والفيتو المستمر لإفشال تمرير أي قرار أممي حتى ما يتعلق بالمهمات الإنسانية. المأساة توحدنا، أليس هذا هو الشعار الفعلي لبريطانيا، حكومة وشعبا وأحزابا وانتخابات قادمة وتحت وقع التأسي على الضحايا وعلى الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي؛ زعيم المعارضة جيريمي كوربن كان قبل شهر من الآن يصف سياسة حزب المحافظين بالنظام المزيف ويتعهد بقلب المعادلات في حالة فوزه بما يخص إعادة الثروات والسلطات إلى الشعب حسب قوله. وفي ظل التراجع الواضح لحزب العمال في الاستطلاعات والتي وصلت إلى فارق 20 نقطة لصالح حزب المحافظين، تأتي الأعراض الجانبية لجريمة مانشستر أرينا لتقلل الفارق بين الحزبين، بعد تصريحاته وتعاطفه مع مأساة شعبه وعبوره الدوافع السياسية والشخصية له ولحزبه في الانتخابات. صدمة الإرهاب والإحساس بالمخاطر وتصاعد الهواجس الأمنية، هل تؤجل الانتخابات أم تزيد من الإصرار على المضي في طريقها لتثبيت موقف بريطانيا من الخروج الأوروبي؟ هل للديمقراطية سقف من القداسة يتأتى من احترام اختيارات الشعب، حتى في حالة الندم التي تسبب فيها الاستفتاء وبعد عام من التجريب؟ زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي تيم فارون وفي بيان مؤثر اقترح بصراحة وبشجاعة إعطاء الشعب فرصة ثانية ليقول كلمته في استفتاء آخر. الاعتداء على مانشستر أرينا فرصة مزدوجة للأحزاب وقياداتها وكل في اتجاه؛ الاتجاه الأول الذهاب إلى الشعب وتقليل الفجوات في الخطاب بما يضمن مكاسب سياسية متوقعة في الظروف النفسية السائدة، ويوصل رسالة خارجية مطلوبة لأوروبا تحديدا لتخفيض مناسيب التحديات في قسوة الانفكاك اقتصاديا ليكون هناك خط متصل في الحفاظ على مجالات التعاون الأمني المشترك ومستجدات المتغيرات المطروحة في حلف الناتو والتزام الدول بالتمويل ودفع المستحقات وتفعيل المساهمة في الحرب على الإرهاب ومواجهة الأزمات الكبرى. الاتجاه الآخر الإبقاء على التصعيد السياسي لكل الأطراف لتحقق الأحزاب رؤيتها في الانتخابات القادمة، وذلك لا يتعارض مع تقاربهم من ناخبيهم أو من أصداء الهجوم الإرهابي على مانشستر أرينا. تيريزا ماي بصفتها وزيرة داخلية سابقة ورئيسة وزراء حاليا تتطلع إلى إنجاز أمني يؤكد جدارتها في الفوز بالانتخابات وتحقيق مقاعد بنسب محترمة لحزبها المحافظ في مجلس العموم يمكنها من تجاوز خطأ أو خطيئة الاستفتاء الذي دعا إليه ديفيد كاميرون وتحمل نتائجه بالتضحية بمستقبله السياسي ورئاسة الوزراء. أما جيريمي كوربن زعيم حزب العمال بعد الهجوم الإرهابي في مانشستر تبدو صورته أفضل حالا من قبلها، لأن خارطة الوطن والأمة البريطانية لها الأولوية على خارطة الانتخابات والسياسة، وهي حصيلة يشترك فيها الجميع وبها يتقاربون في النتائج المقبلة. الوجه الأهم المتبقي في الاعتداء على قاعة مانشستر أرينا وبعيدا عن التفاصيل الجنائية وأدوات الجريمة ومن قام بها، هو العنوان العام في الحرب على الإرهاب وما انتهت إليه قمم الرياض في ربط الإرهاب بالتنظيمات المتشددة على اختلاف مصادرها الفكرية وتوجهاتها وأهدافها، وفي مقدمتها الراعي الرسمي للإرهاب في العالم ورأس حربته النظام الإيراني؛ وبتشخيص دقيق للتعامل مع الإرهاب بمعزل عن التطرف، فالإرهاب على الأرض والتطرف في العقول، ولكل منهما وسائل مجابهة؛ لكن لماذا تم اختيار توقيت الهجوم الإرهابي في مانشستر بعد قمم الرياض مباشرة وقبل انعقاد اجتماع حلف شمال الأطلسي الناتو وبحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟ الجواب هو اللحظة التاريخية لمجابهة الإرهاب، والتي كشفت عنها القيادات الإيرانية الحاكمة وحرسها الثوري المنتشر بفصائل ميليشياته على مساحة واسعة من الأرض العربية، وتتوزع واجباته إلى أفريقيا ومدن العالم ترغيبا أو تهديدا وإرهابا، علنا وتسترا حسب مقتضيات الغايات والظروف؛ فكما كانت قمم الرياض لحظة مكاشفة وحزم تاريخي استهدف الإرهاب بكل تنظيماته، كذلك فعلت معسكرات الإرهاب بالبوح ووضعت بانفعال ساذج معظم مقتنياتها على الطاولة بمقامرة تحد للعالم. حسن روحاني الرئيس الإيراني المنتخب لدورة ثانية وفي أول خطاب له وردا على نتائج قمم الرياض يقول “لا استقرار في المنطقة دون الدور الإيراني، أي إن العبارة تستقيم أيضا بعدم استقرار المنطقة مع استمرار الإرهاب الإيراني، هذا التشخيص وغيره كما يقول أحد قادتهم معلقا على اعتداء مانشستر: إنه جاء ردا على قمم الرياض وبسخرية متناهية”. بعد الآن هل من الصعب تعقب الإرهاب ومصادر تمويله أو تمريره أو أهـدافه أو قراءة تاريخه أو جرائمه؟ أم إننا لم نعد نبالي بأرقام الضحايا الأبرياء في المدن المدمرة، أو غدا في معظم مدن العالم بحكم قانون استمرارية الإرهاب دون رادع. كاتب عراقيحامد الكيلاني

مشاركة :