قطر برفضها لمطالب أشقائها أفقدت المنطقة توازنها المطلوب وشيدت ما يشبه سدا لخزن فيضان الإرهاب الإيراني بين دول مجلس تعاون الخليج العربي.العرب حامد الكيلاني [نُشر في 2017/07/22، العدد: 10699، ص(8)] المجتمعات والدول بواجهاتها السياسية تقع في خطأ أو تسقط في مطبّ تاريخي عندما تنتقي من سلة المعارف المنفتحة عنصرا واحدا ومحددا ومن نتاج ظرف زمان ومكان وتثبت عليه، وتطلب من الشعوب إتباع نهجها وأحكامها. معظم النظم العنصرية والمتعالية تكوّنت ونشأت من إلغاء إنسانية الحياة وتعميم سلطة الفكرة والانتماء، وأحياناً تأتي من ذاكرة وتجربة فرد واحد كما في تسلق أدولف هتلر النظام الديمقراطي للوصول إلى تطبيق نوازعه الشخصية من قراءاته وتأثره بفيلسوف مثل فريدريك نيتشه أو موسيقي مثل فاغنر، وبعدها كانت الحرب على الكتب والروايات والإنتاجات العابرة لحدود الجغرافيا والثقافة الوطنية، ورفضه لتراكم منتجات الفكر السياسي والاقتصادي العالمي بكبار منظريه، لأنه ببساطة توجه إلى اختصار المجموعة البشرية تحت حكمه بل العالم بمصادره المعرفية الخاصة. نحن أمام صدمة الأزمة القطرية وتبعاتها في الخليج العربي المُهدد في جوهر وجوده بتمدد المشروع الإيراني الذي أصاب العراق بلوثة فكر وممارسات لن ينهض منها إلا بكفاح طويل ونهوض نوعي وعضوي لقواه الوطنية والشعبية. لو كان موقف قطر في بداية الثمانينات من القرن الماضي، أي مع السنوات الأولى لمجيء الخميني إلى السلطة في إيران وتداعيات حربه ضد العراق، ربما وجدنا عذراً في اصطفاف دولة قطر إلى جانب إيران أو حتى وقوفها على الحياد من الحرب بين البلدين، كأن نعلل موقفها بعدم كفاية الأدلة على من بدأ الحرب، أو إنها لا ترغب بالتدخل والانحياز إلى بلد مسلم ضد بلد مسلم آخر أو عدم وجود تجربة عداء مسبق أو موقف معادٍ من النظام في إيران. لكن كيف نبرر أو نجد العذر لدولة قطر حين تختار طوعا، ودون اضطرار، المحور الإيراني وبعد قمم الرياض مباشرة التي حسمت الإرادة الدولية في قراراتها لمحاربة الإرهاب بكافة توجهاته ومصادر تمويله وتحديد إيران كدولة أولى راعية وداعمة للإرهاب في العالم، أي إن قطر باتت تدري وتعلم وعلى يقين أن إيران دمرت العراق وسوريا واليمن وغيرها في تخادم صريح ومتبادل لمشروعها مع مشروع إرهاب تنظيم داعش. لسنا هنا بصدد الاستفادة من تصريحات قادة إيران بطموحاتهم وأدوارهم في احتلال أفغانستان والعراق، وما نتج من جرائم وإبادات واحتلال مدن وتهجير ديمغرافي منظم وإطلاق الميليشيات على حدود دول مجلس التعاون الخليجي واستهداف المدن بالصواريخ الباليستية. اكتمال إعداد وتجهيز الحرس الثوري في العراق والذي لم يعد قوة قتالية ميليشياوية لأغراض القمع وفرض السيطرة داخل العراق فقط، بل إن إيران من خلاله تعيد رفد قوة حرسها الثوري لتتجه إلى فرض مؤسساتها القمعية الأمنية والدينية بزج الحشد الشعبي في معارك خارج الحدود العراقية، وصرحت علناً على لسان نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الحاكم في العراق إن المهمات لن تتوقف على معارك الموصل أو المدن العراقية لإخراج داعش منها، إنما في سوريا واليمن وأي مكان آخر يتطلب الواجب. قال المالكي ذلك مع بدء معركة تحرير الموصل في أكتوبر 2016. الحشد الشعبي يستعرض الآن في صلاح الدين وفي تكريت ويرفع صور الخميني وخامنئي مع استعدادات واضحة على الأرض لفرض السيطرة تماماً على مقدرات المدينة، وهي محاولات ما عادت خافية، الهدف منها مدينة سامراء ولأسباب معروفة كانت الحرب الطائفية الدامية في مقدمتها سنة 2006. الآن اتسعت رقعة التلميح بالقوة وما يتخللها من انتهاكات وخروقات مخجلة ومخزية، بعضها موثق وتحت أنظار العالم. هل دولة قطر وحكومتها في غفلة من أمرها؟ إنها بتماديها وعنادها ومكابرتها حوّلت الاهتمام بالقضايا المصيرية التي تهدد بعمق الأمن الخليجي والعربي عموماً، إلى الانشغال بمعالجة آثار الموقف القطري الذي لا نجد له تفسيراً سوى خيبة أملنا في تاريخ من الأيديولوجيات تهاوت بدول مهمة وكبرى أيضاً، فهل تحاول قطر أن تكون بديلاً أو بؤرة استقطاب لتجارب فكرية وتطبيقية انتهت إلى ما انتهت إليه، بإعادة تدويرها وإنتاجها كبضاعة جديدة إلى أسواق المنطقة، رغم المآسي التي تسببت بها النُسخ الأصلية في مواقعها الجغرافية وما ألحقته بشعوبها من يأس وتنكيل وتراجع ومعاناة مستمرة. هل تجارب الآخرين المحيطين بدولة قطر أو في مقترباتها قراءة في كتب قديمة؟ كتب ربما لم تسنح الفرصة لتأمل مآلاتها إذا افترضنا أنها موضع مراجعة لتدبر حكمتها في استلهام محاسنها وإخفاقاتها من أجل حكم رشيد في حاضر أكثر راديكالية من مجازر المَرْويّات. اليمن والبحرين وما يجري في العراق وسوريا، والكويت الأكثر حرصاً على التوازن مع إيران، أغلقت الملحقية الثقافية والمكتب العسكري التابع للسفارة الإيرانية، وخفضت من الدبلوماسيين بعد حسم الأحكام القضائية بخلية العبدلي التي أسفرت عن إلقاء القبض على مجموعة من الحرس الثوري الإيراني، وكشفت عن حيازتها لأسلحة ومتفجرات وذخائر متنوعة، لكن عددا من المتهمين تم تهريبهم إلى إيران. رغم أن الكويت تلعب دور الوسيط بين إيران ودول الخليج العربي، ورغم أن الرئيس الإيراني حسن روحاني زار الكويت العام الماضي في هذا الإطار، إلا إن نهج النظام الإيراني في تصدير مشروعه يتناقض بين الشكل والمضمون وبين القول والفعل. الكويت دون سفير في إيران لأنها سحبته منذ أحداث حرق السفارة السعودية في طهران، التخفيض مفردة دبلوماسية مخففة لعملية الطرد وعادة تقابل بالمثل، الكويت تصرفت بأقل من المتوقع لأن الحالة مثبتة لتقويض الأمن وسلامة البلاد ومع ذلك منحت مدة 45 يوما للدبلوماسيين الإيرانيين للمغادرة. إيران لا تستثني أحدا من مخططاتها وعدوانها. حسن الجوار واحترام العلاقات لا يلتزم بهما النظام الحاكم في إيران، وقطر إن كانت تسعى إلى الاعتدال في علاقاتها فذلك لا يعني ضياع بوصلة مواقفها في هذا التوقيت المفصلي الحرج من تاريخ أمتنا في الحرب العالمية على الإرهاب، وبرفضها لمطالب أشقائها أفقدت المنطقة توازنها المطلوب وشيّدت ما يشبه سداً لخزن فيضان الإرهاب الإيراني بين دول مجلس تعاون الخليج العربي، وهو خزان كما تعوّدنا من تجارب إيران السابقة لا ينتظر كثيراً ليتفجر عنفاً وفتنة طائفية وشعارات للكراهية والانتقام والتوسع. قطر في سياستها تؤدي وظيفة إنتاج الإرهاب بدعمها الشخصيات المؤدلجة التي تتبنّى التطرف. قطر تمضي بخط سيرها المخالف لمبادئ وقيم وعادات الأسرة الخليجية العربية، وهي أعراف قبل أن تكون اتفاقيات وقّعت عليها قطر في عامي 2013 و2014. تخسر قطر كثيراً لا في مشاريعها الاقتصادية فحسب إنما في فقدان الثقة الدولية بها وهي رأسمال لا ينضب. قطر تبدو أنها تفتقد إلى الخبرة والنضج السياسي عندما تتعنت على حساب بيئتها وتاريخها وشعبها واستقرار الخليج العربي، فكلما طالت مدة عودة الوعي والذاكرة تكشفت الأوراق القديمة التي عاشت لسنوات تحت بند عدم نشر الغسيل أو التفريط بأسرار العائلة إلى خارجها، إن الحل الأمثل دائماً في الانصياع لصوت العقل وعدم التهور لأن الإنهاك سمة سباق المسافات الطويلة. بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 تم احتلال العراق لشبهات صلته مع تنظيم القاعدة، أي لشبهات بوجود مسافة بينه وبين الإرهاب وليس لتبنيه الإرهاب. إيران تمضي قُدماً إلى عزلتها الدولية ومعها من يلعب بإرهاب لا يمكن السكوت عنه. هل تلعب قطر مهمة الموزع أو دور ساعي البريد لمهمات دولية أو مخابراتية؟ فتلك تهمة وانتقاص يرتبط بحجمها ودورها السلبي، وحتما لا شيء ينتقص من دولة صغيرة تؤدي دورا إيجابيا، وهذا ما يفترض بها لتذهب مواردها في تنمية الإنسان والأمن وأسلوب الحياة والسلام، عدا ذلك هل تريد قطر أن تتنافس مع إيران على مركز الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم؟ كاتب عراقيحامد الكيلاني
مشاركة :