في 22 أيار مايو 2014، أعلن قائد الجيش التايلاندي، من شاشة التلفاز، أنه استولى على السلطة، وبات يُسيّر شؤون البلاد. وكان الجيش قد فرض، قبل يومين على ذلك، الأحكام العرفية، ووضع قيوداً على وسائل الإعلام المختلفة، ومن بينها قنوات تلفزة مؤيدة أو تابعة لأحزاب سياسية. وتقع تايلاند في قلب الكتلة اليابسة التي تشغل جنوب شرق آسيا، وهي الدولة الوحيدة بين جيرانها التي لم تخضع لسلطة مستعمر. وقد شهدت البلاد 18 انقلاباً أو محاولة انقلاب خلال ثمانين عاماً تقريباً. وتقليدياً، وبعدما كان الجيش يقف في مقابل سلطة الملك، أو على مسافة منه، بدأ يقترب منه من أجل الحصول على الاعتراف به كقوة صاحبة دور في الشأن الداخلي. ومن ناحيته، كان الملك قد استعاد منذ مطلع الثمانينيات مركزه في التأثير على مسار الأحداث الداخلية، وعزز من هذا الأمر القبول الواسع الذي يتمتع به من قبل الشعب، وخصوصاً في القرى والأرياف. وتجد الأزمة الراهنة في تايلاند خلفياتها في العام 2001، عندما فاز رئيس الوزراء السابق، ثاكسين شيناوات. وحيث كان فوزه بشيراً بصعود الفقراء إلى الساحة السياسية في البلاد، وهو الأمر الذي أغضب مجتمع النخبة في بانكوك، فصممت على إسقاط حكومته، كما حكومة شقيقته فيما بعد. وقد سعى ثاكسين حثيثاً لتكريس صورة مدنية لبلاد هيمن عليها العسكر عقوداً مديدة من الزمن، وطبعوها بطابعهم. ولاحقاً، جرى إبطال شرعية حكم ثاكسين، لكنه عاد للفوز بأغلبية أكبر. وعندما خرج من السلطة والبلاد، عادت الأغلبية الفقيرة وصوتت له من خلال انتخاب شقيقته، ينغلاك شيناوات، التي أصبحت رئيسة للوزراء. لقد أزيح ثاكسين عن السلطة بانقلاب عسكري وقع في 19 أيلول سبتمبر من العام 2006. وعلى الرغم من إقامته في الخارج، فإنه ظل يمثل عامل تأثير كبير في مجريات الأوضاع في البلاد، حيث أدت سياساته، الداعمة للفئات الفقيرة، إلى امتلاكه شعبية كبيرة بين سكان الأرياف والمدن المحرومة. إن دعم الناخبين في المناطق الريفية ضمن لثاكسين وأنصاره الفوز في جميع الانتخابات التي جرت منذ العام 2002. ويبدو من المؤكد فوز حزب شقيقته ينغلوك، المعروف ب بويا تاي (تايلاند الحرة) لو تقرر الآن إجراء انتخابات جديدة. لقد وهبت شعبية تاكسين لشقيقته ينغلاك ركناً مكيناً في السياسة التايلاندية، وجعلت من شعبيتها تقفز هي الأخرى إلى عنان النجوم. وعلى الرغم من ذلك، يُعتقد أن الخطأ الذي وقعت فيه ينغلاك قد تمثل في سعيها إلى تحويل مجلس الشيوخ التايلاندي إلى هيئة منتخبة، الأمر الذي واجه معارضة كبيرة من النخبة المتنفذة، التي شعرت بتهديد كبير لدورها التقليدي في الحياة السياسية. وفي المقابل، يؤخذ على معارضي ينغلاك سيرهم عكس منطق الأشياء، من خلال رفضهم نظاماً برلمانياً معبراً عن إرادة التايلانديين. وقبل حدوث الانقلاب، كان هؤلاء قد طالبوا بحل البرلمان القائم، وتنصيب برلمان جديد غير منتخب، وذلك خوفاً من عودة حلفاء ينغلاك للسلطة مجدداً، كونهم يتمتعون بشعبية واسعة. وعلى الرغم من عدم نجاحهم في تنصيب مجلس نواب معين، فإن معارضي ينغلاك تمكنوا في نهاية المطاف من إجبارها على حل البرلمان والحكومة. وصدر على إثر ذلك قرار بتعيينها رئيسة حكومة تصريف أعمال، وتنظيم انتخابات برلمانية في الثاني من شباط فبراير 2014. وفي 21 آذار مارس من العام ذاته، قضت المحكمة الدستورية في تايلاند ببطلان هذه الانتخابات. وقال قضاة المحكمة الدستورية إن الانتخابات غير دستورية، لأنها لم تجر في نفس اليوم في كافة أرجاء البلاد. وكان معارضو ينغلاك قد أعاقوا العملية الانتخابية في خمس الدوائر الانتخابية تقريباً، وتعذر إجراء الانتخابات في 28 دائرة، لأن المرشحين لم يتمكنوا من التسجيل. وقد كان من نتائج الأزمة السياسية المديدة في تايلاند أن تضرر موقفها الاقتصادي، على الرغم من أن هذا الموقف بقي مستقراً في المجمل. وبلغت ثقة المستهلك أدنى مستوياتها منذ 12 عاماً، مما دفع البنك المركزي لخفض توقعاته للنمو الاقتصادي لهذا العام إلى 2.7 %. وفي مطلع العام 2014، أبدى وزير مالية تايلاند قلقه من ضعف قيمة العملة، والأضرار التي تلحق بالاقتصاد نتيجة الوضع غير المستتب. وقال الوزير التايلاندي إن مشروعات بنية أساسية مخطط لها بقيمة 65 مليار دولار ستؤجل حتى نهاية هذا العام. وانخفض البات نهاية العام الماضي إلى 32.71 مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له منذ آذار مارس 2010. وفي الأصل، تقف تايلاند، موقفاً مريحاً نسبياً، بالقياس للكثير من جيرانها. وقد شهدت نمواً تاريخياً متواصلاً، أو لنقل تمتعت بنمو تراكمي، أسس لها حضارة مدنية مزدهرة، في الوقت الذي تعثرت مسيرة النمو في عدد من بلدان الجوار، كما هو الحال في تجربتي كمبوديا ولاوس. وبلغ الناتج المحلي للبلاد 673 مليار دولار في العام 2013، مسجلاً نمواً قدره 2.9%، قياساً ب 6.5% عام 2012. ووفقاً لمؤشرات العام 2013، بلغت الموازنة العامة للدولة 80.91 مليار دولار، في حين بلغت النفقات 92.9 مليار دولار. وبلغت نسبة الدين العام 45.9% من الناتج المحلي الإجمالي. أما التضخم فقد كان في حدود 2.2%. وتقدر احتياطيات تايلاند من العملات الخارجية والذهب ب 167.2 مليار دولار، كما هي مثبتة في نهاية العام 2013. وتساهم الخدمات بنسبة 44.2% من الناتج المحلي الإجمالي، والصناعة ب 43.6%، والزراعة 12.1%. ويبلغ عدد القوى العاملة في تايلاند 39.38 مليون فرد. ووصل حجم صادرات تايلاند 225.4 مليار دولار في العام 2013، أما وارداتها فكانت 219 مليار دولار. ويبلغ معدل الدخل الفردي السنوي في تايلاند 9900 دولار، وفقاً لمؤشرات العام 2013. وتعتبر تايلاند منتجاً ومستهلكاً كبيراً للطاقة الكهربائية. وفي العام 2012، بلغ حجم هذا الإنتاج 173.3 مليار كيلو وات، في حين بلغ إجمالي الاستهلاك 169.4 مليار كيلو وات. وتنتج البلاد 574 ألف برميل من النفط يومياً، كما هو في العام 2012. وتستورد حوالي 794 ألف برميل يومياً (وفق مؤشرات العام 2011). على صعيد علاقاتها الخارجية، تعتبر تايلاند أحد الأعضاء الأساسيين في رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان). وهي تستمد مكانتها الاستراتيجية من مكانة الإقليم الذي تقع فيه. وحيث تحتل جنوب شرق آسيا مركزاً محورياً في الاستراتيجيات الدولية المتنافسة. ويعود ذلك إلى أسباب عدة، بينها موقعها الجغرافي، حيث تحتضن مضيق ملقا، الذي يربط بين المحيطين الهندي والهادئ، كما تمثل همزة وصل بين آسيا والأقيانوس. وهي مركز التقاء لثلاث دول كبرى هي الهند والصين واليابان. كما أن الأمن القومي لدولة كبرى رابعة، هي أستراليا، لا يمكن مقاربته بمنأى عن ظروف هذه المنطقة. كذلك، تعتبر الولايات المتحدة صاحبة أدوار مختلفة في هذا الإقليم، وهي قد طوّرت من حضورها الاستراتيجي عبر اتفاقيات متقدمة مع كل من تايلاند والفلبين، وأعلنت هاتين الدولتين حلفاءً من الدرجة الأولى، كما أبرمت اتفاقية تحالف استراتيجي مع سنغافورة. وتحتل تايلاند مكاناً مهماً في خطط الولايات المتحدة، حيث تؤمن أراضيها قواعد تستطيع القوات الأميركية أن تستفيد منها لتخزين المعدات، والانطلاق لتنفيذ العمليات العسكرية. ومن هذه القواعد قاعدة أوتاباو الجوية، التي تقع على بعد 145 كيلومتراً إلى الجنوب من بانكوك. وحسب مؤشرات العام 2010، تمتلك تايلاند أكبر قوة جوية في جنوب شرق آسيا من حيث عدد القوات، بواقع 46 ألف عنصر، تليها فيتنام بواقع 30 ألف عنصر، إندونيسيا 24 ألفاً، الفلبين 16 ألفاً، ماليزيا 15 ألفاً، سنغافورة 13.5 ألفاً، لاوس 3.5 آلاف وكمبوديا 1.5 ألف. كذلك، تمتلك تايلاند أكبر قوة بحرية في الإقليم، بواقع 69.8 ألف عنصر، تليها إندونيسيا بواقع 45 ألف عنصر، الفلبين 24 ألف، ماليزيا 14 ألف، فيتنام 13 ألف، سنغافورة 9 ألاف وكمبوديا 2.8 ألف. وعلى مستوى القدرات التسليحية، تتقدم تايلاند على صعيد سلاح الجو، حيث يتشكل أسطولها من 307 طائرات حربية، تليها فيتنام بواقع 279 طائرة، إندونيسيا 256 طائرة، سنغافورة 167 طائرة، ماليزيا 97 طائرة، الفلبين 81 طائرة، لاوس 44 طائرة وكمبوديا 35 طائرة. إلى ذلك، تعتبر تايلاند الدولة الوحيدة في الإقليم التي تمتلك حاملة طائرات. وما يُمكن قوله خلاصة، هو أن تايلاند تعد دولة محورية في جنوب شرق آسيا، ومن هنا تأتي أهمية استقرارها السياسي، فهذا الاستقرار يعتبر حاجة إقليمية ودولية، بقدر كونه ضرورة وطنية.
مشاركة :