اسم تبون يتم تداوله مما قبل الانتخابات التشريعية كخليفة محتمل لرئيس الوزراء السابق سلال، في وقت اختار هو بوعي أو بوعد عدم الترشح لتلك الانتخابات على غرار زملائه في الحكومة.العرب خالد عمر بن ققة [نُشر في 2017/05/28، العدد: 10646، ص(8)]رئيس وزراء الجزائر الجديد عمره سبعة عقود وينتمي لجبهة التحرير أبوظبي - من غير الواضح بعد إن كان تعيين عبدالمجيد تبّون رئيسا للحكومة من طرف الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قد جاء تجاوباً لتطورات الجبهة الداخلية خاصة في المجال الاقتصادي، أم هو اعتراف من الرئيس نفسه بفشل الحكومة السابقة بقيادة عبدالمالك سلال، أم هي محاولة منه لتطمين الرأي العام في الداخل والخارج بأنه لا يزال صاحب سلطة في الاختيار وقادرا على ذلك، وليس فقط يمارس حقَّه الدستوري في اختيار الوزير الأول بعد مناقشة الأغلبية البرلمانية، مع أن المعطيات تشير إلى عجزه شبه الكامل. بغض النَّظر عن الإجابة، وعن حسابات الرئيس والسياسيين، فإن اسم تبُّون، تمّ تداوله قبل الانتخابات التشريعية كخليفة محتمل لرئيس الوزراء السابق سلال، في وقت اختار هو بوعي أو بوعد عدم الترشح لتلك الانتخابات على غرار زملائه في حكومة سلال، نجح بعضهم وفشل بعضهم الآخر، لكن بعد نتائج الانتخابات التي كانت في صالح حزبه أولا مع أنه لم يفز بالأغلبية، وفي صالح التيار الوطني ثانيا، كما سبق أن أشرنا في مقال نشر في “العرب” بتاريخ 7 مايو الجاري. نفي وإثبات بعد ظهور النتائج، رُجِّحت الكفة لصالح سلال بعد أن أبدى من خلال حركة أكّدت على أنه مكلف من الرئيس بوتفليقة بقيادة مشاورات تشكيل الحكومة، تلك المشاورات انتهت بفشله في إقناع الإسلاميين، تحديدا حركة مجتمع السلم “حمس” بالمشاركة في الحكومة، وأيضا بعد تعامل الصحافة الجزائرية معه على اعتبار أنه باقٍ في منصبه، وأن أقصى ما يمكن حدوثه هو تغيير في بعض الحقائب الوزارية، وبخاصة غير السيادية. جاء تعيين تبّون رئيسا للحكومة، لينفي توقعات سياسية، وليثبت حقائق تأكدت خلال السنوات الماضية. وكل من النفي والإثبات يساعد على اتّساع مساحة سلطة الرئيس بوتفليقة وفريقه، فمن التوقعات التي تمّ نفيها هي ما وقع فيها كبار السياسيين، ومنهم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس، حين ذكر الأسبوع الماضي أن “بوتفليقة كلَّف سلال بتشكيل الحكومة، ولهذا الغرض طلب منه إجراء مشاورات مع خمسة أحزاب للمشاركة فيها”، بما يشي بثقة الرئيس في سلال، وقد حدث عكس هذا تماما. ومن بين نفي التوقعات أيضا، الاعتقاد بأن هناك ممارسة ديمقراطية طبقا لما يقره الدستور، صحيح أن الاستشارة غير ملزمة، لكنها بدت في الحالة الراهنة -اختيار تبون- شكليَّة مع أن بيان الرئاسة نصّ على ما يلي “عيّن رئيس الجمهورية بعد استشارة الأغلبية البرلمانية السيد تبون وزيرا أول. وأنه عقب إعلان المجلس الدستوري عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية قدم الوزير الأول عبدالمالك سلال الأربعاء استقالته واستقالة حكومته لرئيس الجمهورية”، وهذا إجراء قانوني ودستوري، ولكن التعيين أو الإقالة لا يحددان موقف الأحزاب، ورؤيتها للعمل السياسي، وإنما الآمر-الناهي فيها هو الرئيس بوتفليقة. أما بالنسبة إلى الحقائق، التي تمّ تأكيدها، فإننا نجدها تتحرك في فضاء ثلاث قواعد أساسيَّة يقوم عليها الاختيار للمناصب العليا، ومنها رئيس الحكومة، وهي عبارة عن مسارات متداخلة، أولها الاختيار على أساس جهوي بما يحقق التوازن. وثانيها الاختيار طبقا للانتماء الحزبي. وثالثها الاختيار اعتماداً على العمر المتقارب. وهذه جميعها يجب أن تخدم برنامج الرئيس، صحيح أن سلال (68 عاما) لم تشمله قاعدة الاختيار الأخير، لكن غطّى على ذلك بأنه من الأوفياء لبوتفليقة، وكان مديرا لحملاته للانتخابات الرئاسية في 2004 و2009 وفي 2014، حيث ناب عن الرئيس في تنشيط التجمعات الانتخابية، وربما لهذا السبب ترأس خمس حكومات منذ تعيينه في 2012.ثقة رئيس الجمهورية الجزائرية بوتفليقة بتبون تدفعه إلى تكليفه بإدارة وزارة التجارة، بالنيابة، بعد وفاة وزيرها بختي بلعايب في بداية السنة الجارية في فترة عصيبة تميزت بفرض قيود على الاستيراد بسبب شح الموارد المالية من العملة الصعبة في بلد يعتمد بنسبة 95 بالمئة على تصدير النفط والغاز. 36 عاما من العطاء الاختيارات الثلاثة السابقة تتوفَّر جميعها في تبّون، يضاف إليها المسألة الأهم عند الرئيس، وهي تنفيذ برنامجه، خاصة في مجال الإسكان، وبالتأكيد سيشهد التاريخ أن عهد بوتفليقة على ما فيه من نقائص حقّق نجاحات في مجال السكن بدرجة فاقت كل ما تحقق قبل حكمه، والذي أشرف على هذا القطاع هو وزير الإسكان والتعمير تبّون (71 عاما) الذي احتلّ المشهد الإعلامي لارتباطه بهذا القطاع، وهو الأهم بالنسبة إلى الجزائريين حيث أداره بنجاح منذ سبع سنوات في مختلف الحكومات، وأكّد دائما أنه ينفّذ برنامج الرئيس في هذا المجال. عُرِف تبّون بجديَّتة في العمل ونشاطه في الميدان منذ تخرجه من المدرسة الوطنية للإدارة عام 1969، الدفعة الثانية في يوليو تخصص اقتصاد ومالية، وعلى مدار 36 عاماً تقلَّد العديد من المناصب، مع أنه انكفأ عن الساحة السياسية لأكثر من عشر سنوات، قبل أن يُعيده بوتفليقة مع أول حكومة لسلال في 2012، ولكنه قبل ذلك ومنذ 1975 وإلى غاية 1991 عمل إطارا على مستوى الجماعات المحلية (أمين عام لكل من ولايات: أدرار، باتنة والمسيلة، وواليا لكل من ولايات: الجلفة، أدرار، تيارت وتيزي وزو)، وكل ذلك أكسبه خبرة واسعة في العملين الإداري والميداني. ائتلاف الكبار والصغار بعد ذلك بدأت رحلته السياسية بتعيينه وزيراً منتدباً للجماعات المحلية خلال عامي 1991 و1992، ثم وزيراً للإسكان والعمران، فوزيرا للاتصال، ولكن لمدة وجيزة، ثم وزيرا للسكن والعمران ضمن خمس حكومات، ونظرا للنتائج والنجاحات التي حققها في مجال السكن تمّ تقليده “وسام الاستحقاق الوطني” السنة الماضية مما زاد في سطوع نجمه. اللافت أن تبّون تقلد العديد من الوظائف السياسية والبرلمانية والوزارية ونال ثقة رئيس الجمهورية، ولذلك كلّفه بإدارة وزارة التجارة، بالنيابة، بعد وفاة وزيرها بختي بلعايب في بداية السنة الجارية في فترة عصيبة تميزت بفرض قيود على الاستيراد بسبب شحّ الموارد المالية من العملة الصعبة في بلد يعتمد بنسبة 95 بالمئة على تصدير النفط والغاز. وقد تمكّن من قيادتها ودخل في جدل حول كثير من المسائل المطروحة في مجال التجارة، وحارب إشاعات تتعلق بمنحه رخص الاستيراد من ذلك “نفيه منح رخص لاستيراد لحم الخنزير أو ما شابهها”، وعمل على إصلاح منظومة الاستيراد ومنح رخص للمواد الضرورية وغير المنتجة محليا فقط، تلبية لحاجيات السوق، في محاولة منه إلى التكيف مع الظرف الحالي الذي تعيشه الجزائر ومنع تحويل العملة الصعبة إلى الخارج.الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس يثبت خطأ توقعاته وقراءته السياسية حين ذكر في الأسبوع الماضي أن (بوتفليقة كلف سلال بتشكيل الحكومة، ولهذا الغرض طلب منه إجراء مشاورات مع خمسة أحزاب للمشاركة فيها)، بما يشي بثقة الرئيس بسلال، وقد حدث عكس هذا تماما يبقى أن نشير إلى ثلاث قضايا هامة، تتعلق الأولى بعمر تبّون، فهو من الجيل القديم صحيح هو أصغر من الرئيس بوتفليقة (80 عاما) وأصغر من رئيس المجلس الشعبي الوطني سعيد بوحجة (79 عاما) إلاَّ أنه في حقيقة الأمر ينتمي إلى جيل الكبار. وهذا يعني أنه لا مجال لإشراك الشباب وذلك عيب قاتل في السياسة الجزائرية، وسيؤدي في المستقبل إلى صراع على خلفية الثورات العربية من جهة، وفوز ماكرون في فرنسا من جهة ثانية ومتابعة الشباب الجزائري للتطورات والتغيرات الحاصلة في دول العالم من جهة ثالثة. القضية الثانية هي أن مهمة تبّون ستكون تحقيق نجاحات على مستوى الجبهة الداخلية، أي أن أولوية حكومته هي تنفيذ برنامج بوتفليقة، مع حماية المجتمع من انفجار متوقع. أما القضية الثالثة فتكمن في أنه لا يُعوَّل على الحكومة المقبلة برئاسة تبّون لجهة تغيّر مواقف الجزائر من القضايا الخارجية على المستوى السياسي. وإن كان منْتَظراً حدوث تغير في مجال التجارة والاقتصاد، لكن المؤكد في كل هذا أن تبّون سينجح محليا قياساً على تجاربه السابقة، وستكون حكومة ائتلافية من حزبي السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، إلى جانب أحزاب صغيرة اعتادت التحرك في محيط السلطة، وشخصيات مستقلة أثبتت نجاحها في مجال تخصصها.
مشاركة :