الرئيس الجزائري يجيب على تساؤلات الفساد المالي والسياسي بإقصاء سياسيين فاعلين، وبوتفليقة وأويحي كل منهما يعيش مستقبله وراءه وليس أمامه.العرب خالد عمر بن ققة [نُشر في 2017/08/28، العدد: 10736، ص(7)]خضوع بهدف حلم خلافة الرئيس الجزائر- بتعيين الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، أحمد أويحيى وزيرا أول، رئيس حكومة، خلفا لعبدالمجيد تبون الذي لم يعمر في السلطة أكثر من 83 يوما، يكون الذهاب إلى المستقبل هو اللّعبة المفضلة للرئيس بوتفليقة، إذ كلما طرحت تساؤلات حول الفساد المالي والسياسي، قدم إجابات لها عبر تغيير سياسيين أو إبعادهم كليا. ويطرح على هذا النحو بوتفليقة أو فريقه، خارج النظريات السياسية في العالم كله، حلولا للأزمات التي تواجهها البلاد، سواء أكانت اجتماعية أو اقتصادية أو حتى أمنية، من خلال بدائل سياسية واهية لا يمكن التعويل عليها بل إن ضرَّها أكبر من نفعها، مَحمياّ في كل ذلك بشرعية سلطته المستمدة من الدستور والقانون، والتي هي مٌؤسسة ظاهريا على الاختيار الديمقراطي. ومن الناحية الإجرائية وحتى التنظيمية، وكذلك العمل المؤسساتي، للرئيس بوتفليقة الحق في تعيين أويحيى رئيسا للحكومة، خاصة وأن هذا الأخير طوع نفسه وحزبه لخدمة الدولة الجزائرية، وحين اقتضت المصلحة الوطنية أن يخدم البلاد في رحابتها بعيدا عن ضيق الأحزاب ومصالحها كان من السبَّاقين لذلك، ناهيك عن تمكّنه من الانتقال بين السلطة والمعارضة، أثبت في الحالتين أنه رجل دولة من الطراز الأول.أحمد أويحيى عاد من جديد وبدت الجزائر، وهي تعاني اليوم من طغيان الفساد، عاجزة عن ولادة قادة فاعلين وسبق له أن شغل منصب رئيس حكومة عدة مرات، أولها بين يونيو 1997 وديسمبر 1998، والمرة الثانية بين يونيو 2002 ومايو 2006، والثالثة بين يونيو 2008 ونوفمبر 2008، والرابعة بين نوفمبر 2008 وسبتمبر 2012، وتعيينه منذ أيام يعدُّ الخامس. وفي الغالب الأعم، ليس هناك من يُشكِّك في التجربة السياسية والقدرة التنظيمية لأحمد أويحيى داخل الجزائر، رسمياًّ من السلطة والمعارضة، وشعبيا أيضا، وهناك من يرى فيه رجل الدولة بامتياز، ويراهن البعض على ترشحه في المستقبل لمنصب الرئيس، ولكن قدراته السوبرمانية في السياسة والإدارة وقيادة الحرب، لا تختلف عن تلك التي تميَّز بها الرئيس بوتفليقة حين كان وزيرا للخارجية أو حين أصبح رئيسا في العهدتين الرئاسيتين الأولى والثانية. وكل منهما يعيش مستقبله وراءه وليس أمامه، وإن كان أويحيى يعتقد غير هذا، وهذا الاعتقاد هو السبب في تعيينه رئيسا للحكومة في المرات الثلاث الأخيرة، ومنها هذه الأخيرة التي ورث فيها حرب عبدالمجيد تبون على الفساد، ويعمل الآن على إيجاد صيغة تعايش مع أصحاب رؤوس الأموال لصالح فريق بوتفليقة المنتفع من تلك العلاقة. ويأتي تكليف أحمد أويحيى بتشكيل الحكومة، منذ عهد الرئيس السابق اليامين زروال، دائما بعد انتقادات توجهها الرئاسة للحكومة، أو بعد أزمة تواجهها البلاد، وخلال فترة حكم بوتفليقة التي تجاوزت الآن 18 سنة، حافظ على علاقة حميمية معه، تميز فيها بذكاء سياسي مقارنة برؤساء الحكومات السابقين أمثال إسماعيل حمداني، أحمد بن بيتور، علي بن فليس، عبدالعزيز بلخادم، عبدالمالك سلال وعبدالمجيد تبون. وأظهر فيها نوعا من الخضوع الكلي في انتظار اللحظة المناسبة، والتي يرى أنها ستكون بعد رحيل بوتفليقة، وهذه ربما لن تتحقق أبدا، لأن تجربة الحكم في النظام الجزائري كشفت خلال الـ55 سنة الماضية أنه لا جدوى من تخطيط أو تصور البعض أنه سيخلف الرئيس، لأن من يتَّخذ القرار يظهر في آخر لحظة ليغير مجرى الحياة السياسية كلها.على خلاف كل المرات السابقة، التي تم فيها تعيين أويحيى رئيسا للحكومة، فإن هذه المرة يأتي في ظل اتهامه بحماية الفساد وعلى خلاف كل المرات السابقة، التي تم فيها تعيين أويحيى رئيسا للحكومة، فإن هذه المرة يأتي في ظل اتهامه بحماية الفساد، وتكمن صعوبة مهمته في أن رئيس الحكومة السابق عبدالمجيد تبون تميز بنجاح كبير في قطاع السكن في الجزائر، تجاوز به كل الوزراء الآخرين. وأعلن حين عرض مخطط عمل حكومته على البرلمان رفضه زواج المال بالسياسة، وقطع الطريق أمام استغلال النفوذ لتحقيق مآرب شخصية، وكشف عن فتح حوار وطني مع كل تيارات المجتمع حول توجهات حكومته. وأعلن تبون عن تنصيب مفتشية عامة على مستوى الوزارة الأولى تكون مهمتها مراقبة المال العام وإضفاء المزيد من الشفافية في تمويل المشاريع العمومية وإنجازها، وبعدها بأسبوع أدلى بتصريحات من مجلس الأمة خلال عرضه مخطط عمل الحكومة أكد فيها ضياع 70 مليار دينار في مشاريع فاشلة. ولم يكتف تبون بذلك، بل إنه في إحدى جولاته الميدانية منع رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد من حضور نشاطه، وبعدها بيومين ألزمت الحكومة الشركات الخاصة بالتقيد بدفتر شروط المشاريع التي كلفت بإنجازها، وأعلن تجميد القرارات المتعلقة بالمزارع النموذجية، والتي عادت في مجملها إلى رجال الأعمال والمال. وحظيت كل تلك القرارات التي اتّخذها تبون بتأييد شعبي واسع وبدعم من أحزاب المعارضة، لكنها كانت محل انتقاد واسع من رجال الأعمال وأصحاب الشركات وبعض المنتفعين داخل السلطة، وكان تبون يعتقد بأنه مدعوم من رئيس الجمهورية، وإذا به يفاجأ بإقالته من منصبه، ما يعني كسب فريق الفساد للمعركة. ومع أن أحمد أويحيى لم يكن من بين الأسماء المتداولة خلال الأيام الأخيرة لخلافة عبدالمجيد تبون، إلا أنه عاد من جديد، ولم يغير إلا أربعة وزراء، وبدت الجزائر، وهي تعاني اليوم من طغيان الفساد، عاجزة عن ولادة قادة فاعلين، وكأنها لم تلد إلا بوتفليقة وأويحيى! كاتب وصحافي جزائري
مشاركة :