برحيل «أبو البنات» في الثامن من نيسان (أبريل) 2011 فقد التاريخ الحجازي والأدب السعودي أحد أعمدته الرئيسة، إذ توج مسيرة عطائه برئاسة تحرير عدد من المجلات والإشراف على أخرى وأدار تحرير البعض الآخر. ولد الكاتب والأديب السعودي محمد صادق دياب في مدينة جدة عام 1363هـ، وتقلد مناصب عدة في التعليم، وأحب «أبو غنوة» جدة وعشقها بكل تفاصيلها، فراح يسجل تاريخها عبر مؤلفاته التي من أهمها «16 حكاية في الحارة»، «جدة التاريخ والحياة الاجتماعية»، وغيرهما من المؤلفات. ويروي الأخ الثاني للراحل المستشار الإعلامي أحمد صادق دياب تفاصيل حياة أخيه الأكبر محمد في رمضان لـ «الحياة» فيقول إن محمد بطبيعته كان رجلاً اجتماعياً ولا يستطيع الجلوس في أي مكان وحيداً عندما يمارس طقوس حياته اليومية، حتى عندما يبدأ بالكتابة فإنه لا يكتب وحيداً ولكن بجوار الأهل أو الناس. وأضاف «لدينا عادات خاصة في رمضان ومحمد كان الأخ الأكبر، ونحن ثلاثة إخوة ذكور ليس بيننا فتيات»، ويستطرد «كنا نجتمع أول يوم من رمضان في كل سنة لتناول وجبة الإفطار في منزله، هذا إضافة إلى اجتماعنا كل خميس خلال شهر رمضان لتناول الإفطار معه، وبقية الأيام تكون الاجتماعات موزعة في ما بيني وبين أخي الصغير صالح». كما بين أن الراحل كان يعشق الذهاب لـمنطقة «البلد» بعد صلاة التراويح، ليعيش تفاصيل جدة القديمة ويسترجع ذكرياته، وبرغم ذلك لم يكن بالإمكان أن يذهب وحده، فقد كان في كل مرة يصطحب معه أحداً وخصوصاً إذا أتى أشخاص من خارج جدة، وذلك ليريهم مدينة جدة التي يعرفها ويعشق تفاصيلها، فيأخذهم إلى «البلد، وشارع قابل، وبرحه نصيف، ومسجد العماري»، كان محمد يحب التفاصيل، فمن الممكن أن يقف عند أي معلم من معالم جدة ليتحدث عن تاريخها ومتى تأسست ولماذا سميت بهذه الأسماء، مبيناً هذه الجولة الضرورية للأديب في رمضان وتكون عادة ما بين الساعة العاشرة مساء إلى الواحدة بعد منتصف الليل بصورة شبه يومية. كما بين أنه وبعد هذه الجولات التي يستعيد خلالها عبق الماضي كانت هنالك جلسات خاصة به وبأصدقائه الذين درسوا معه في «مدارس الفلاح» لتمتد سهرتهم من الواحدة بعد منتصف الليل إلى ما قبل «السحور» بقليل، خصوصاً أن أهل جدة ومكة المكرمة عادة ما يكون السحور لديهم في وقت متأخر، ومن ثم يعود إلى منزله لتناول «السحور»، وبعد صلاة الفجر يبدأ في عملية القراءة والكتابة والتي ربما تمتد في بعض الأحيان حتى الساعة العاشرة أوالعاشرة والنصف صباحاً، ومن ثم يخلد للنوم ليستيقظ بعدها لأداء صلاة الظهر، ويكون وقته في النهار موزعاً ما بين النوم والصلاة. وأضاف «بعد صلاة المغرب تكون جلسة الأسرة والتي تتناول الحديث العام وحول مشكلات الأسرة إذ كان الراحل هو «حلال مشكلات الأسرة كاملة». وقال إنه اكتشف إصابته بالمرض في ذي القعدة، ولم يكن أحد يعلم بأنه مريض حتى هو نفسه لم يكن يعلم بمرضه، وكان رمضان من السنة الآتية هو آخر رمضان له، وقد تميز بأنه كان أكثر رمضان قام فيه الراحل بـ «الإفطار» و«السحور» مع إخوته. وأوضح أن هنالك نوعاً من الطقوس الغريبة التي كان يمارسها الأديب وإخوته في رمضان وهي أنه عندما يكون الإفطار لدى أحد الإخوة فإن الكل يقوم بلبس «العمة» التقليدية الخاصة بأهل الحجاز، أما الراحل فقد كان يمسك بيده «العصا» القديمة إضافة إلى لبس «العمة»، مؤكداً أن هذه من أهم المظاهر الرمضانية التي كان يحرص عليها الأديب الراحل، فيمارسها بطريقة ذكية جداً ليربط رمضان «بحالة معينة» إذ كان يتحدث كثيراً عن رمضان في الماضي، وكيف كانت جدة تعاني من نقص شديد في جوانب عدة، وكيف أن الكهرباء وبرغم كونها ضرورة إلا أن «الأتريك، والفانوس» كانا يعطيان لمدينة جدة رومانسية وطابعاً خاصاً. إضافة إلى ممارسته لدور يشبه دور «الحكواتي»، إذ يؤكد أحمد أن أخاه محمداً كان يحكي لبناته وأحفاده كيف كانت الحياة في السابق جميلة ولا يشوبها ملل برغم عدم وجود التلفاز والمحطات الفضائية، إذ لم يكن موجوداً في تلك الأيام سوى «الراديو» وبرغم ذلك لم تكن الحياة مملة، ويعلل الأديب الراحل ذلك بقوله «إحنا كنا نعيش مع الناس أما انتو عايشين مع التلفزيون والكومبيوتر» وكان يؤكد لهم على أهمية وحميمية التواصل الجسدي بين الناس في الماضي ،والذي فقد في عصر الـsms . وختم حديثه بأن الراحل كان يحاول استرجاع الماضي في رمضان بقراءة القصص القديمة مثل «عنترة بن شداد» وغيرها من القصص القديمة. وعن آخر أعماله وهو رواية «الخواجة يني» والذي لم يكمل منه سوى أربعة فصول، إذ كان يتحدث عن «خواجة» عاش في جدة فترة طويلة، وكان الراحل قد بدأ الرواية في رمضانه الأخير إذ وافته المنية بعد ذلك ولم يكملها.
مشاركة :