فرصة الريف.. هل تُضيَّع؟

  • 5/30/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حين تحل ببلد ما مصيبة كتلك التي صعقتنا العام الماضي، وأدت إلى مقتل مواطن بسيط في ظروف مأساوية وبشعة داخل شاحنة لنقل النفايات، فإن شيئاً ما بالضرورة سيهتز بقوة داخل هذا المجتمع، وعند الحد الأدنى إعلان الحداد أمر واجب. لكن للأسف ما دام أنه مواطن من الدرجة الثالثة وينتمي إلى ذلك الوطن البعيد المنسي الذي سمي بالمغرب الآخر، أو كما يسميه سكانه "المغرب المغضوب عليه"، فلا داعي لذلك. صحيح أن بلاغات رسمية صدرت تعبر عن مواساتها لعائلة الضحية ومشاركتها حزنها، كما صدرت تعليمات لفتح تحقيق في الموضوع، وكبار المسؤولين انتقلوا إلى عين المكان وباشروا في تصريحات تهدئ من فظاعة الحادث، لكن كل هذا وصل إلى أسرة الضحية وليس إلى المجتمع، فالحكومة تعاملت مع الأمر وكأنه مأساة أسرة لوحدها وانتهى الموضوع، لا باعتبارها كارثة وطنية تمس جميع فئات الشعب. حين يفوز مغربي في مناسبات دولية نهنئ الشعب بأكمله، ويهتز الإعلام بمختلف وسائله فرحاً وهو يقول: مبروك للمغرب، لكن حين قتل ابن الريف أدرنا له ظهورنا، وقلنا: الله يرحمه، وكأن شيئاً لم يكن. أبناء الريف الصامد وكعادتهم لم يغسلوا أيديهم عن الحادث وتناسوه، بل عبّروا في احتجاجات حضارية وسلمية عن مسؤوليتهم ووعيهم، لكن سرعان ما خرج من يريد إهانتهم، مما زاد الطينة بلة وأثار ردود فعل إضافية، وقد سمعنا اتهامات من زملاء صحفيين ومسؤولين يتحدثون عن أيادٍ خفية تريد تخريب البلد وتخونهم وتشكك في وطنيتهم، وتدَّعي أنهم يستغلون الحادث لجر البلاد إلى الفوضى، مثل هذه التصريحات وأوقح منها، يعتقد البعض أنهم من خلالها يخدمون الوطن وأمن البلد، في حين أنهم مخطئون وغافلون عن معنى خدمة الوطن، فالحديث عن المؤامرة فقدَ مصداقيته منذ زمن وأضحى غير مقنع. كل الإجراءات التي اتُّخذت حتى الآن لاحتواء آثار الفاجعة لا تكفي، لو كان مقتل بائع السمك قدراً لرضينا بقضاء الله، لكن أن تكون جهة حكومية طرفاً أساسياً فالأمر يختلف، ولا يوجد سبب مقنع يجعل هؤلاء المحتجين يلتزمون الصمت ولا يطالبون بأبسط الحقوق، فالحكومة لم تتنازل يوماً عن حقوقها لدى المواطنين بل حصَّلتها كاملة وضاعفتها أحياناً بلا رحمة. كما أن إقالة مسؤول لا حول له ولا قوة وجعله كبش فداء لإخماد نار الكارثة لن تشفي غليل الريفيين، دماء محسن فكري لن تغسله إجراءات من ذلك القبيل وتمرير المسألة بهذه الصورة جريمة في حق المجتمع ونعت المحتجين بالانفصاليين جرم لا يغتفر. من ينتقد مطالبة سكان الريف برفع عسكرة المنطقة يجب أن يعلم أنها مسألة يجب أن يتنبه لها كل ساع إلى الحرية والديمقراطية، فكل ما يعانيه اليوم الريفيون من قمع وتهميش إنما هو نتيجة عسكرة السلطة التي خلفها النظام التقليدي البائد، يجب عليهم أن يصمدوا ولا يسمحوا لكائن باحتكار السلطة، وألا يترددوا في دفع ضريبة استعادة الحرية؛ لأنها مكلفة في كل أحوالها. يقول السيد قطب في مقالة له قبل أيام من ثورة يونيو/حزيران في مصر سنة 1952: "إلى الذين يَفْرَقُونَ من تكاليف الحرية، إلى الذين يخشون عاقبة الكرامة، إلى الذين يمرِّغُون خدودهم تحت مواطئ الأقدام، إلى الذين يخونون أماناتهم، ويخونون كراماتهم، ويخونون إنسانيتهم، ويخونون التضحيات العظيمة التي بذلتها أمتهم لتتحرر وتتخلص. إلى هؤلاء جميعاً أوجه الدعوة أن ينظروا في عبر التاريخ، وفي عبر الواقع القريب، وأن يتدبروا الأمثلة المتكررة التي تشهد بأن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة، وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية، وأن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة، وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية". فيا سكان الريف منحكم التاريخ فرصة قد تطول السنين لتتاح مرة أخرى، وهذا كله يتوقف على وعيكم السياسي ورؤيتكم لمغرب تسوده الكرامة والعدالة الاجتماعية، والتي بدأت تتشكل ملامحها في الأفق من خلالكم. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :