21.39 أثار ضجة بفعالياته الرابعة في مدينة جدة والتي شملت سلسلة من المعارض المتزامنة، تم افتتاحها في شهر فبراير الماضي 2017 لتستمر لثلاثة أشهر تحت مصطلح "سفر"، بصفة السفر وسيلة للغوص بهدف الكشف عن كمين الذات والآخر، وإن المستوى المتحفي الذي ظهرت به أعمال الفنانين السعوديين الناشئين من تنسيق الثنائي سام بردويل وتيل فيلراث لهو ثمرة من ثمرات السفر الذي بدأ مبكراً، بدأته سيدة متحدرة من الأسرة المالكة، سيدة ملكت الجاه والرفاه لكن وقبل كل شيء ظل هاجسها الأول والأهم الثقافة، بدأت جواهر بنت ماجد بن عبدالعزيز مشوارها مبكراً منذ عام 1999 حين قامت بتأسيس مؤسسة المنصورية للثقافة والإبداع، وقامت برعاية معارض فنية وإصدار كتب لأعمال فنانين عرب سواء داخل المملكة أو خارجها في الدول العربية وأوروبا، وشكلت مجموعتها الفنية المؤرخة للحركة الفنية المحلية والعربية المعاصرة. حتى جاء العام 2014 ومع التغيرات التي طرأت على العالم عموماً في العقد الأخير من الزمان وعت جواهر بنت ماجد أهمية النهوض لذلك التغيير فقامت بدعوة نخبة من المهتمين بالفن بمدينة جدة للمساهمة في تأسيس المجلس الفني السعودي، والذي وضع ضمن خططه التأسيس لمهرجانات فنية سنوية تستعين بمنظمين عالميين وتشجع الفنانين السعوديين لإنتاج أعمال تنضوي تحت مفاهيم تنوعت ببين إحياء الوعي بالتراث كما في معرضها "معلقات" عام 2014 أو في المعرض البانورامي عام 2015، أو إحياء الوعي بالأرض كما في معرضها "الأرض ومابعد" عام 2016، ثم مؤخراً معرض "سفر" عام 2017، والذي يسعى للكشف الناجم عن الترحال في البلاد والذي يقود بالضرورة للذات ووعيها. وإن استيحاء الفعاليات الفنية للمجلس الفني السعودي 21.39 لاسمها من الإحداثيات الجغرافية لمدينة جدة (21.5433° شمالاً، و39.1728° شرقاً) إنما ليلخص إنطلاقها من المكان، من الجذور نحو العالمية، ولقد نجحت هذه التركيبة في وضع مدينة جدة في صدارة المشهد الفني المعاصر بالمملكة، محققة لعروس البحر استمراريتها الحضارية بصفتها المدينة الضاربة جذورها في التاريخ، حيث نبتت وازدهرت حول قبر أول امراة في تاريخ البشرية، حواء أم البشر، وها هي رئيسة المجلس الفني السعودي جواهر بنت ماجد تحمل تلك الشعلة وتمررها للأجيال القادمة، إذ باستمرار الفعاليات عاماً وراء عام يتم تدريجياً التأسيس لحركة فنية حقيقية مع ترسيخ الوعد بالاستمرارية، ونتيجة لتطوير مستوى الأعمال الفنية المطروحة يتأصل تدريجياً الاهتمام بالفن كحرفة وكوسيلة للوجود والتعبير عن روح الإنسان السعودي. إنه السفر في بلادنا الشاسعة بثرواتها وأصالتها، إنه الرحيل للتنقيب في الروح وكمينها، وأن ما ينبع من هؤلاء الفنانين على اختلاف أجيالهم لهو الكنز الذي يتكشف عاماً وراء عام في جهود جماعية حثيثة لا تكف تحارب وتنتصب خيمة ينضوي تحتها المناضلون لتعزيز حضارة هذا البلد بتفعيل إبداع أبنائه، تحت تلك الخيمة من الأمن المعنوي والتحفيز الثقافي ينضوي أعضاء المجلس السعودي الفني والفنانون بمختلف أجيالهم وليس آخرهم هولاء السبعة عشر فناناً الذين رتب لهم المجلس رحلة في متاحف البلاد مثل كوريا الجنوبية وبرلين، ليعودوا منها لبواطنهم يستنطقونها تحت قيادة القيمين على المعرض سام وتل، وأنه لمذهل الإنصات للفنانين يتحدثون عن أعمالهم، تسمع في شروحهم حواراً مع الذات واستنطاقاً لها، تسمع إنصاتاً للدخائل وتجسيد رؤاها وطموحاتها في أعمال تركيبية مفاهيمية عميقة المغزى ترقى للفن العالمي الحديث، تدرك مع كل عمل أن الإبداع السعودي متفوق ويحتاج فقط لمن ينفخ في جمرة ليعلن عن تفرده، وهذا ما يفعله سفر المجلس الفني السعودي والتكوينات التي يرعاها ويسخر لها كل طاقاته، يستمر السفر سواءً في المعارض المتميزة السنوية أو في ورشات العمل والمسابقات الفنية التي ينظمها المجلس الفني السعودي للشباب من الجنسين ولطلبة المدارس في مختلف مراحل التعليم. إنها بحق فاتحة حضارية رائدة وملهمة، فهنيئاً للساحة الثقافية السعودية بها بل وهنئياً للثقافة عموماً.
مشاركة :