- قراءة في كتاب عمان فجر جديد يأتي إصدار كتاب " عُمان، فجرٌ جديد" للمواءمة بين الأصالة والمعاصرة للبروفسورة الأمريكية ليندا باباس فانش الذي نشره مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية وقام بترجمته ناصر بن سعيد الكندي ليضيف للمكتبة العمانية والخليجية والعربية والعالمية مزيدا من الوثائق والدراسات العلمية والحقائق التي اجتهدت المؤلفة في البحث عنها وتضمينها في هذا الكتاب لكي تجعل الباحث والقارئ للتاريخ العماني أمام مشهد مضيء لعمان الأصالة والمعاصرة بحقائقه التي لا يمكن أن تتغير أو تتبدل بشيء آخر. يناقش الكتاب بنسخته العربية في ثلاثمائة وست وثلاثين صفحة وفي نسخته الإنجليزية في مائتين وخمس وأربعين صفحة العوامل المختلفة التي أخرجت عُمان من ظلمات القرون الوسطى حسب تعبير المؤلفة، ونقلتها من أرض لا يعرف عنها العالم الخارجي الكثير إلى دولة مدنية حديثة خلال فترة لا تتعدى جيلين فحسب. ويحلل الكتاب التفاعلات التي مكنت هذا البلد العريق من شق طريق التحول بسلاسة وتميز من هامش الركود والعزلة إلى قوة إقليمية استراتيجية، دون أن يخسر بالمقابل هويته الوطنية، ورغم الحداثة المتنامية، يتبع العُمانيون نموذجاً للتنمية من صياغتهم، وهو نموذج يعكس تاريخهم الفريد ويضع أهمية خاصة على الاستقلالية والأصالة الثقافية عوضا عن التقليد الأعمى لكل ما هو غربيّ. ورأت المؤلفة أنه استنادا على بحوث أولية وثانوية، وملاحظات مستقلة، ومقابلات، وبيانات واستطلاعات ميدانية، يستخلص هذا الكتاب أن عُمان، إذ تبقى وفية لجذورها الحضارية، تتبع مسار حداثة سياسية واجتماعية ممزوجة بالتقارب الثقافي والديني ويضعها في موقع فريد كوسيط مؤثر على الساحة السياسية الدولية في القرن الحادي والعشرين. ويقدم الكتاب الدلائل على أن وعيا وطنيا متميزا، يستند على الفهم العميق لإرث تاريخي فريد قد ساهم في تطور مجتمع متفائل إلى نحو ما ومترابط يظل - مع تنوعه الثقافي واحتضانه للمعتقدات الأخرى - ثابت العزم في تأكيد هويته العربية الإسلامية إذ يمضي نحو العصر الحديث بثبات وفكر وخطى واثقة. وبينت البروفسورة ليندا أن المهندس المعماري لهذا التحول هو صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد، الذي يحظى بحب واحترام واسعين وألهم شعباً كانت قد أوهنته حوادث الدهر وقام بتوحيده نحو هدف مشترك في ظل قيادته عبر أكثر من أربعة عقود، تمكن السلطان قابوس من تحويل الحطام وبناء بلد ليس حديثا فحسب بل ومحافظا أيضا في أساسه على إرث الأعراف والتقاليد التي يكن لها الشعب العُماني المحبة والوفاء. ويبدأ تحليل رحلة السلطنة الفريدة من نوعها، في الفصل الأول المعنون "جاذبية عُمان"، ويناقش موقع البلاد المتميز في منطقة الشرق الأوسط على تقاطع طرق التجارة القديمة والحديثة، البرية منها والبحرية. إن الحكمة المعروفة التي تقول إن " الجغرافيا قدر" تنطبق في وصف عُمان -تاريخيا في هذا العصر، وفي المستقبل. يستقصي هذا الفصل دور عُمان المهم في الاقتصاد العالمي منذ القدم، والذي كثيرا لا ينال نصيباً كافياً في الإعلام، ويشمل تاريخها البحري المجيد الذي اتسم بعلاقات مع بلدان نائية وشعوب بعيدة، وهو تاريخ لم يسهم فقط في تكوين نسيج متنوع من الأعراق واللغات في عُمان بل وساهم أيضا في تشكيل سمة الانفتاح على مجتمعات وثقافات أخرى والمبدأ القائل إن "الحاضر يستقي من الماضي" ينطبق تماما على عُمان. ويوفر الفصل الثاني ، الموسوم "التمهيد ..عُمان قبل 1970 "، الإطار التاريخي لنهضة عُمان الحديثة، ويتتبع هذا الفصل المليء بحكايات الفتوحات وبناء الامبراطورية، والمواجهات البطولية والنجاحات الدبلوماسية، تاريخ عُمان منذ بداياته إلى حكم قبيلة آلبوسعيد العريقة، وهي من أقدم الأسر الحاكمة في العالم، ويبرز الفصل الإنجازات المهمة في تاريخ البلاد والقصص الملهمة لأهم الشخصيات في تاريخها، وهو أمر ضروري لفهم تشكل الشخصية العُمانية الحديثة كما هو ضروري لفهم التعامل الفريد للسلطنة مع الشؤون الإقليمية والعالمية. أما موضوع الفصل الثالث المعنون "قابوس بن سعيد ..رجل النهضة"، فهو رحلة جلالة السلطان قابوس بن سعيد ، الذي استلم مقاليد الحكم في عام 1970، وهي قصة ثرية مليئة بالنجاحات الباهرة. يبدأ الفصل بمعاينة حياته في بداياتها ونشأته. ويتم التمعن بعمق في المهمة الكبيرة التي واجهت قائد البلاد الذي لم يتم امتحانه إلى حينها، في بداية رحلة عمله في عام 1970. وتفتح مواجهته التحديات العديدة نافذة للتعرف على شخصيته الهادئة ورسالته التي أمعن فيها الفكر، وكفاءة نسق قيادته للبلاد. ويفتتح الفصل الرابع المعنون "بناء مجتمع مدني" بمناقشة التعليم والرعاية الصحية وهما "الركيزتان التوأم" في استراتيجية التنمية الوطنية بعُمان، الأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو السجل الباهر لنجاح البلاد في هذين القطاعين الحيويين -عبر المستويين الحكومي والخاص- للوصول إلى كل شريحة من المجتمع العُماني. أما المؤسسات الحديثة التي تكافئ الإبداع والريادة في العمل التجاري ضمن وسط ثقافي يمكن إدراكه، وهي مؤسسات متوافقة مع التقاليد وتوفر إطار عمل لاقتصاد متنوع ومستدام، فهي موضع نقاش الفصل الخامس المعنون "بناء اقتصاد حديث"، إذ تتأمل عُمان النضوب الذي لا مفر منه لاحتياطيها من النفط يبرز هذا الفصل المواضيع الجوهرية المتمثلة في التنويع الاقتصادي والتوظيف الأكبر للقوى العاملة العُمانية والتوسع المهم للقطاع الخاص. ويتم عرض مساهمة التشجيع الحكومي الثابت للريادة في العمل التجاري والاستثمار ومن ضمنها الحوافز المجزية والضمانات القانونية، في إيجاد بيئة محفزة للعمل التجاري. ويسلط الفصل السادس الضوء على "العلاقات الخارجية ..سياسة الاحترام المتبادل" ،حيث حافظت السلطنة على تقاليد جديرة بالاحترام أساسها الصداقة والتعاون مع كل من الأصدقاء في الغرب ومن ضمنهم بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية والتي تشترك معهما بروابط ثنائية تعود إلى أكثر من قرنين. وبما أن سجل العلاقات الثنائية بين عُمان والمملكة المتحدة تم التطرق إليه في فصول سابقة من الكتاب، وسيبرز هذا الفصل تاريخ صداقة عُمان مع الولايات المتحدة، وهو تاريخ يمتد حتى يومنا هذا. وتحت عنوان " الفرص والتحديات في القرن الحديث" يناقش الفصل الأخير مشاركة المواطنين الشباب في عُمان القرن الحادي والعشرين، وتطلعاتهم ومخاوفهم، كما يشرح هذا الفصل كيف استجاب جلالة السلطان قابوس المحفز الأول للشباب في خطاباته، وكيف كان يرسم الخطوط العريضة للإجراءات المحددة التي اتخذها لجعل الشباب عنصرا مساهما و فعالا في المجتمع العُماني. وتؤكد المؤلفة في ختام ملخصها للكتاب بالقول إن هذا الكتاب صمم ليبرز إلى أي درجة نموذج عُمان للحداثة فريد، خاصة بين جيرانها، ويعكس تقاليدها المتميزة وتاريخها الفريد. ويتتبع النهضة العُمانية منذ فجر ولادتها من أجل إثبات أن رحلة الميلاد الجديد للبلاد تمضي في خطوات واثقة رغم التحديات الكامنة. وبالنظر إلى تراث عُمان المنفرد فمن المعقول أن العمانيين سيمضون قدما مسترشدين بالحداثة الثقافية الأصيلة التي اتسم بها دخولهم القرن الحادي والعشرين، مدفوعين بحس ثابت بالهوية الوطنية ومحتضنين للمستقبل بثقة هادفة. // يتبع // 11:07ت م www.spa.gov.sa/1636817
مشاركة :