الحوكمة تحتاج إلى حوكمة

  • 6/4/2017
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

أصحابنا شركات الاستشارات الأجنبية شاطرين في تسويق كلامهم في كل مرة يطلعوا لنا بموضة جديدة.. ففي الماضي كانت الموضة "الإستراتيجيات" واليوم موضة الحوكمة والمبادرات وكأننا الآن بدأنا نؤسس لدولة جديدة ولم يكن لدينا أي مبادرات في السابق ولا خطط سنوية وخمسية وإستراتيجيات دفع عليها المليارات.. وكأن الإلهام نزل علينا فجأة وذكرنا أننا لم نحوكم مؤسساتنا وليس لدينا أنظمة وإجراءات وهياكل تنظيمية وأدوار وتعريفات ومسميات ودولة تعمل بنظام وأنظمة ومؤسسات تشريعية وأخرى تنظيمية ورقابية واستشارية. شيء جميل أن نبادر وأن نحوكم ولكن بالمقابل نسينا ما هو أهم وهو إعادة الهيكلة ليس لمؤسسات الدولة ولكن للقوى البشرية والمؤسسات المعنية بالقوى البشرية كوزارة الخدمة المدنية لتصبح وزارة واحدة تسمى وزارة القوى البشرية والتطوير ونخرج من نفق إزدواجية الأنظمة وتأخر بعضها عن الآخر وعدم منطقية بعض الأنظمة التي تعمل على زيادة الإنتاجية ومراعاة الفروق الفردية وعدم قياس الأداء فقاعدة أي تغيير أو إصلاح أو إعادة هيكلة هو الفرد أي القوى البشرية وما خلاف ذلك أمور سهلة المنال ونظريات وأفكار يمكن تطبيقها. أعود إلى الحوكمة والمبادرات القضية ليس في تلك الموضة التي صدرتها لنا الشركات الاستشارية الأجنبية ولكن في واقعية التطبيق ومنطقيته وعقلانية نجاح تطبيقه في مجتمع إلى مجتمع آخر بالإضافة إلى ظاهرة تعارض المصالح ما بين التخطيط والتنفيذ والتكاليف الخيالية لتنفيذ كل فكرة ومبادرة ودراسة، لنعود إلى الوراء قليلاً فعندما أغرقتنا تلك الشركات بالخطط والمبادرات التي كانت صادمة ليس لأننا لا نؤمن بها أو لأننا لا نقبل التطور وأن نخرج من عباءة دول العالم الثالث بل لأنها كانت أفكار طايرة في الهوى لا يمكن الإمساك بها، ووجدنا أنفسنا نطارد تلك الفقاعات في الهواء وما أن نمسك واحدة حتى ينفجر الصابون في وجوهنا وما نمسك شيء وهذا بحد ذاته أكبر إحباط ممكن يواجه الإنسان عندما تجعله يحلم ويشتغل على حلم الوطن لم يصحُ ويدرك أنه قضى ربع عمره في أحلام. اليوم أكبر خطر يواجه تحقيق النزاهة هو تضارب المصالح والإنفاق غير المبرر تحت عباءة المبادرات والحوكمات.. فالشركات التي اقترحت تلك الأمور وروجت لها جيداً وجعلتنا نتبناها هي التي تتقدم باسمها أو بأسماء جديدة لتنفيذ الدراسات المتعلقة بالمبادرات والحوكمات ناهيك عن الأرقام الفلكية لتلك الدراسات التي تتجاوز الخمسين مليون ريال لأي دراسة وفي آخر المطاف المنتج عبارة عن ملزمة من الورق المزين بالأحمر والأصفر والأخضر والأزرق وأرقام لا نعلم من أين جاءت.. ولأننا شعب لا نقرأ فستجد تلك الملازم مكانها المعتاد على الرفوف وستجد من المسؤولين من يحاول تطبيقها وإذا أعفي من المنصب ستجد من المسؤولين من يركنها على جنب ويبدأ مشواره في مبادرات وحوكمات جديدة. اليوم جميع منظري التغيير في العالم تراجعوا عن الفكرة السائدة التي كانت تركّز على العائد الاقتصادي فقط لأي إعادة هيكلة أو تغيير أو حوكمة مالم تأخذ في عين الاعتبار الاعتبارات الثقافية والاجتماعية وعلى ضوء ذلك فإن أي مبادرة أو حوكمة لا تراعي تلك الجوانب والمتغيرات والسيكولوجيات والسيسيولوجيات للمجتمع فإن مآلها الحفظ. المهم بالرغم من تفائلي المستمر ما زلت أبحث عن إجابة لمثلث المبادرات تلك عندما تبدأ بفكرة ثم مشروع على الورق ثم تصبح برنامجاً تنفيذياً، وكم من الزمن تستغرق كل مرحلة وكم سينفق على كل مرحلة وهل ما أنفق وسينفق يناسب وحجم الورق والألوان التي كتبت به وكيف نضمن أنها ستكون قابلة للتطبيق.

مشاركة :