سعت الدوحة على مدار السنوات السابقة إلى بناء بنية اقتصادية راسخة تمكن الدولة من الانطلاق نحو الاقتصادات الكبرى في المنطقة، غير أنه بين عشية وضحاها بات حلم الإمارة الصغيرة في الخليج العربي أن يذهب أدراج الرياح، بسبب الممارسات السياسية التي تبنتها الحكومة القطرية، وقادتها في نهاية المطاف إلى العزلة الإجبارية.وبين تقرير أن قطر ستتضرر بشدة جراء سياستها التي تسعى لتحميلها فوق طاقتها، وأن شركة الطيران خصوصاً، والاقتصاد القطري عموماً، سيكونان في مقدمة المتضررين. وجاء في تقرير محطة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أن هذه الدولة الصغيرة على أطراف الجزيرة العربية التي لا يزيد عدد سكانها على 2.7 مليون نسمة اشتهرت من خلال شركة طيرانها ومحطة «الجزيرة»، وفوزها باستضافة دورة 2022 لكأس العالم لكرة القدم، ورعايتها لواحد من أشهر الأندية الأوروبية وهو نادي برشلونة. وقد نجحت في استقطاب عدد من الشركات للعمل في الدوحة. لكن التطورات الأخيرة توحي بأن كل هذا كله مهدد بأن يذهب أدراج الرياح.ولفت التقرير إلى تعليق شركة طيران «الاتحاد»، و«الإمارات»، و«فلاي دبي»، رحلاتها إلى الدوحة بدءاً من صباح اليوم الثلاثاء، وتسير كل من «الاتحاد» و«الإمارات» أربع رحلات يومياً إلى قطر. ومن المنتظر حسب التقرير أن تعلق شركات طيران أخرى رحلاتها. وقد أعلنت كل من السعودية والبحرين ومصر عن تعليق الرحلات الجوية بينها وبين قطر وإغلاق أجوائها في وجه الطائرات القطرية.ومن المتوقع أن تعرض هذه الإجراءات الناقلة القطرية لخسائر جمة، حيث تتوقف رحلاتها إلى مدن مثل دبي وأبوظبي والرياض والقاهرة التي تسيرها بالعشرات يومياً. وقد أعلنت الخطوط القطرية عن وقف رحلاتها إلى السعودية.لكن حظر دخولها أجواء عدد من دول المنطقة سوف يشكل أزمة كبرى لها، لأنها سوف تضطر لتغيير مسار العديد من رحلاتها ما يزيد من زمن طيرانها ونفقات التشغيل. وإضافة إلى رفع فاتوة الوقود يسبب ذلك أيضاً نفور المسافرين وتلاشي الحجوزات. وقد نتج النمو الذي حققته الناقلة عن تطوير شبكة خطوطها انطلاقا من الدوحة كمركز لربط قارات أوروبا وآسيا.وقال غانم نسيبة مدير شركة «كورنر ستون» الاستشارية: «سوف يزيد زمن الرحلة التي كانت تستغرق 6 ساعات إلى أوروبا ساعتين ليصبح ثماني ساعات، أو ربما تسعاً، بسبب اضطرار الشركة لتغيير مسار الرحلات وهو ما يضعف حماس المسافرين للحجز على رحلاتها».وعلى صعيد الأمن الغذائي تواجه قطر تهديد نقص المواد الغذائية التي تمر عبر الأراضي السعودية. وتعبر الحدود بين الجارتين يومياً مئات الشاحنات التي تحمل الأغذية بالدرجة الأولى حيث تمر نسبة 40% من المواد الغذائية التي تستوردها قطر عبر منفذ الحدود مع السعودية. وقد أعلنت المملكة أنها سوف تغلق المعبر الحدودي وهذا يفرض على قطر استيراد المواد الغذائية بحراً أو جوا. ويقول نسيبة: «هذا سوف يتسبب بارتفاع الأسعار بشكل فوري وبالتالي يؤثر على معيشة المواطنين القطريين. وفي حال تصاعدت أزمة الأسعار لا بد أن يضغط الشعب القطري على حكومته لتغيير سياستها». وأشار أيضاً إلى أن شريحة واسعة من القطريين الفقراء يسافرون يومياً، أو أسبوعياً إلى السعودية للتسوق مستفيدين من انخفاض الأسعار، ولا شك في أن إغلاق الحدود سيحرمهم من هذه الفرصة.وتنفذ قطر حالياً مجموعة من المشاريع الإنشائية الحيوية، تشمل الميناء الجديد، والمنطقة الطبية، والمترو، وثمانية ملاعب كرة قدم لاستضافة كأس العالم 2022 وغيرها من المشاريع. وتستورد الدوحة المواد اللازمة للإنشاءات عبر حدودها مع السعودية، عدا الحديد والأسمنت الذي تستورد قسماً منه بحراً، والقسم الآخر براً. وسوف يتسبب إغلاق الحدود بتأخير تنفيذ تلك المشاريع وارتفاع أسعار المواد. وكانت ندرة المواد أساساً أحد الأسباب الرئيسية في تأخر تنفيذ بعض المشاريع عن موعدها المحدد. كما أن نقص مواد البناء سوف يلحق الضرر بقطاع الإنشاءات ما يزيد الأمور سوءاً. وقالت كريستين يولرشين الخبيرة المختصة بالخليج في معهد بيكر الأمريكي: «سوف يتسبب إغلاق الحدود والمجال الجوي بفوضى عارمة تطال مواعيد إنجاز وتسليم المشاريع».وتحد خطوة قطع العلاقات من سفر مواطني دول الخليج إلى قطر، سواء للعيش والعمل، أو العبور عبر الأراضي القطرية. وقد منحت السعودية مواطنيها مهلة أسبوعين لمغادرة قطر. كما منح القطريون نفس المهلة لمغادرة السعودية والإمارات والبحرين.وقد يكون الأهم من ذلك أن تفرض مصر نفس الحظر، فهناك 180 ألف مصري يعيشون على الأراضي القطرية، موزعون على مختلف القطاعات في الهندسة، والطب، والقانون، والإنشاءات. وسوف يفرض فقدان هذه الكوادر خسارة جسيمة على الشركات القطرية والشركات الأجنبية العاملة في قطر.كما تملك العديد من الشركات الخليجية فروعاً في قطر خاصة شركات التجزئة. ومن المرجح أن تغلق تلك الشركات محلاتها ولو مؤقتاً، حسب تقدير غانم نسيبة الذي يقول بدأنا فعلا نلاحظ إلغاء بعض الصفقات مؤخراً.
مشاركة :