غنام الديكان لـ الجريدة•: المهنا استطاع بذكائه إقناع فرقة الطنبورة كي نتحاور معها حول طقوسها المتبعة في «المكيد» (3-5)

  • 6/8/2017
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

يعد الموسيقار القدير غنام الديكان أحد أعلام الأغنية الكويتية الحديثة، وعاشقا للتراث الموسيقي الكويتي، ومبدعا في أعماله، وتاريخه الفني خير شاهد على ذلك، فأعماله التي ارتبطت بأغلبية نجوم الأغنية الكويتية لا تزال خالدة تتوارثها الأجيال. أدى الديكان دوراً مهماً في الحركة الموسيقية والغنائية الكويتية والخليجية، وخاصة في الأغنية الوطنية النابضة بحسّ وطني مستلهم من روح الكويت وتاريخها، وهو يعبر من خلال موسيقاه عن أفراحها وآمالها وآلامها، لذا استطاع أن يسمو بالأغنية الكويتية الوطنية، ويجدد ألحانه التي شربت أريج الكويت وعطر ترابها الخالد، حتى أصبح أحد أبرز فرسان الأغنية الوطنية. وفي الحلقة الثالثة، يروي لنا الديكان «بوخالد» مرحلة تدوينه وتسجيله للحوارات والنماذج للفنون البحرية بمعية الموسيقار الكبير يوسف المهنا، والفنان الكبير نجم العميري الخبير بكل الإيقاعات البحرية. وكيف استطاع المهنا أن يقنع فرقة الطنبورة بأن يسجل لهم الديكان أسرار فنهم وإجراء حوار مع الفنان الكبير صالح مرجان، حيث ذهب إلى مكان يسمي «المكيد» وهو مقرهم، لمعرفة الطقوس المتبعة في هذا الفن. وتابع الديكان زيارة الفرق المتخصصة بالفنون البحرية، ومنها فرقة العميري، التي تعد من أهم الفرق البحرية في الكويت، وكان برفقة صديقه عضو الفرقة نجم العميري. كما ساعده الشاعر الكبير مبارك الحديبي بنسخ الأعمال الشعبية في الإذاعة على أشرطة «ريل» القديمة، ونوعها «باسف»، إضافة إلى شريط ممتلئ بالأغنيات جلبه له عوض دوخي... حول تلك التفاصيل كان لنا معه هذا الحوار. • كيف وثّقت الفنون الشعبية؟ - لم أكتف بما هو موجود، كما أنه لم يكتب عنها، فحاولت في البداية أن أتقرب من البحارة لمعرفة أسرار هذه الفنون، لكنهم رفضوا، فاستعنت بالفنان نجم العميري، وأيضاً كان معي الملحن القدير يوسف المهنا، وسجلت مع الفرق، ودونت كل نوع من الفنون، وكل فن له اسمه الخاص، فثمة فرقة متخصصة بالحدادي، ولا تعرف أسماء بقية الفنون، فعملت على تجميعها وبتفاصيلها الدقيقة، وطرحت جملة من الأسئلة على من يقدم هذه الأعمال، ومن بينهم النهام الكبير راشد الجيماز رحمه الله، وهو من الفنانين العريقين في مجال الفن البحري، وعلى معرفة بأغلبية أنواع هذا الفن، وقد استضفته في منزلي في رأس السالمية عام 1968، وعلمت أنه كان زميلاً لوالدي كبحار، لذا كان حنوناً معنا، وشرح لي «الخطفة» وغيرها، ومعي في هذا اللقاء المهنا ولا أنسى مساعدته لي في التحاور مع الجيماز، وكل ذلك تم تسجيله كوثيقة نادرة على شريط «ريل»، وهو لا يزال محفوظاً عندي في مكتبتي. • بم يمتاز راشد الجيماز؟ - تبين لي أنه من أكثر النهامين معرفة بفنون الغناء البحري، الذي ينقسم إلى فئات عديدة، من احتياجات البحارة للغناء، ثمة أغنيات على اليابسة، وأخرى على ظهر السفينة، والعمل، ووقت الراحة، فلكل مهمة أغنية مثل ما أشارت إليه د. حصة الرفاعي. والجيماز «بوصالح»، كان يشرح لنا الفنون بالغناء بصوته أيضاً، ويتميز بأنه الفنان الوحيد الذي يعزف ويقول الموّال، وهي حالة نادرة لأنه من الصعب أن تمسك الإيقاع الذي يترتب عليه ترتيب النغمات، واحدة تلو الأخرى، لكن أن يقول غناء ليس له علاقة بالإيقاع، كانت مقدرة خاصة يتمتع بها النهام راشد الجيماز. وهو في الوقت نفسه يقود «الطارات» في وقت الأنس البحري، كما قدم ألحاناً مع الفرقة الموسيقية مثل أغنية «جيتكم على العادة يا الخلان»، وصراحة لا أعلم من صاحب النص، وقد أدته المطربة حورية سامي. • هل كان التعامل سهلاً مع أهل «الطنبورة»؟ - يوسف المهنا كان مسؤولاً عن لجنة الحفلات في جمعية الفنانين الكويتيين، عام 1968، وأعجبته فكرة توثيق فن الطنبورة، وأهل الطنبورة من الصعوبة بمكان أن يغنوا لك، وفي جلساتهم لا يسمحوا لأحد أن يجلس معهم أو يسألهم، لأن هناك طقوسا للطنبورة، فاستطاع المهنا بذكائه وأسلوبه إقناعهم بالسماح لنا أن نسجل حوارنا معهم، وكان من بينهم فنان شعبي اسمه محمد الراشد وهو يجيد العزف على العود وكذلك أغنيات الطنبورة. فذهبنا إليهم، في «المكيد» وهو مقر الطنبورة، وحينها لم يكن جهاز الكاسيت موجوداً، بل مسجل «الريل» الكبير، الذي حملته معي إليهم، وبدأنا نسأل الأستاذ صالح مرجان، وهو من يجيد درجات – أغنيات - الطنبورة، وبدأ غناء البداية والتهليلة، وهي «لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أول بدينا»، وهذا النص يؤديه ايضاً البحارة في المويلي، والنص للحميدي منصور، فسألنا مرجان لماذا أغنيات الطنبورة محصورة في فئة الطنبورة وفيها بشكل دائم ذكر الله؟ فرد بأنهم يبدأونها بالتهليلة، وتؤدى الحفلات يوم الخميس، ويوم الجمعة يرفع العلم، ثم ينزل، ويعاد رفعه الاثنين، من العصر إلى العشاء. كما طرحت أسئلتي، ماذا يعني «الخوات» و»الشرار»، فكانت حصيلتي كبيرة من المعلومات، بعدها ظهرت أغنية «واحد يحبك» أو كما يعرفها الناس بعنوان آخر «قلبي قلبي آه يا قلبي» من كلمات مبارك الحديبي وألحاني وغناء مصطفى أحمد، و»في أمان الله يا محبوبي» من كلمات محمد محروس وألحان يوسف المهنا وغناء عبدالمحسن المهنا، حيث كان تأثرنا واضحاً بالطنبورة، وقد أتى توظيفها في طرح جديد. • هل لديك سابق معرفة بأسماء الفنون؟ - استفدت من معلومات لمتذوقي وعاشقي الأغنيات البحرية جاسم الخطيب وعبدالوهاب كنيمش، ومن هنا أصبحت أبحث ما هو «راس طبل»، و»الدواري»، فأخذت أجمع التفاصيل وأبحث عن الألحان. • وماذا عن الفنون البحرية؟ - ذهبت مع نجم العميري إلى فرقته العميري، التي تعتبر من أهم الفرق في الكويت التي تؤدي هذه الفنون البحرية، وكان الراحل د. يوسف دوخي قدّم دراسة وهي تعد أهم رسالة علمية لإنسان كتب الفن البحري، واقتحم هذا المجال وزاول المهنة على ظهر السفينة، إضافة إلى قيام د. حصة الرفاعي بتدوين النصوص التي تقال من أفواه النهامين. • ما أهم أنواع غناء البحارة؟ - الأهم بالنسبة إلى البحارة هو غناء العمل، لأن كل جزء من السفينة وكل شخص يشارك في هذا الغناء بأمر من قائد السفينة «النوخذة»، وبعد ذلك يقوم «المجدمي» بإخبار «النهام» وهو مطرب السفينة للبدء في غناء العمل، فيغني النهام مع باقي البحارين من أجل بث الحماسة وتوحيد الجهد أثناء العمل. إن أغنيات البحارة هي جزء من العمل، وإن كل سفينة تعتمد على الأقل على ثلاثة نهامين، فالنهام الأول يجب أن يتقن الدرجة الصوتية، والطبقة الصوتية مهمة جداً بالنسبة للبحارة أو بالنسبة للنهام لأنها أساس الغناء. • ماذا تعني «اليزوة»؟ - أتذكر هنا، أن هناك نوخذة يدعى حسين بن علي وهو محب للغناء البحري بصورة كبيرة جداً، وكان عندما يقرر السفر في البحر، يصطحب أفضل النهامين مثل عبدالعزيز الدويش، وجوهر السيد، وراشد الجيماز، وفرحان بوهيلة والعديد من النهامين الآخرين، والنهام في العادة ينتقي أفضل «اليزوة» وهم الفرقة الغنائية المكونة من عدد من البحارين. وكان البحارة الكويتيون يتمتعون بالثقافة، وهي ترجع إلى كثرة زياراتهم لأكثر من دولة أثناء السفر ومعرفتهم بثقافات واسعة وكبيرة كالثقافة الهندية، كما أن حسين بن علي هو أول من جمع البحارة بعد توقف مهنة الغوص في ثانوية الشويخ. • وماذا عن «اليامال»؟ «يامال» من أغنيات العمل، من نصوصها: «ساعة نويت السفر هلت دموع العين/ والكل يذكر عشيره منزله بالعين/ غصبن على ولد الهوى لمن خزر بالعين/ يارب تسرع بوصل الزين و نشوفه». ولها أنواع مثل: «يامال راكد» و»يامال محرقي». • وماذا عن الفنون البحرية الأخرى؟ - فن «العدساني» أحد فنون الخماري الذي يبدأ بموال ثم تنزيلة العدساني ونهمة النهام يستخدم فيها الطبل والتصفيق، وثمة غناء بحري آخر هو «الحدادي» الذي يستخدم فيه الطبل البحري والجحلة والمرواس والتصفيق والهاون، و»الحدادي المخالف» الذي يعد من أصعب الألحان، أما فن «الحدادي الحساوي» فيقوله البحارة عند دهن السفينة، ويستخدم فيها أصعب الايقاعات واسمه «راس الطبل»، وأجمل وأرشق الفنون «السنكني»، وفن «الخطفة»، وفن «المجيلسي» وله خمسة أجزاء ويصاحبه رقص. عوض دوخي ومبارك الحديبي قدما له تسجيلات الفنون الموسيقار الديكان لم يكتف بتوثيق الفنون مع الفرق الشعبية عبر مقابلتهم وتسجيل الحوار مع النماذج الغنائية، بل استمع إلى التسجيلات، وقد ساعده حسب قوله الشاعر الكبير مبارك الحديبي، بنسخ بعض التسجيلات الإذاعية للفنون الشعبية على شرائط «الريل»، وهي من نوع «باسف»، وقدم له كرتونا كاملاً من تلك الشرائط المسجلة. وذكر أن الأمر لم يستمر طويلاً حينما قدم كتاباً موجهاً إلى الوكيل لنسخ المزيد من الفنون الشعبية، فرد الوكيل ممنوع، فهل تريد أن تعمل إذاعة خاصة لك في منزلك، وقد ورد ذلك على لسان الفنان عثمان السيد رحمه الله. فكان المنقذ الوحيد، د. يوسف دوخي، حيث واصل زيارته في ديوانيته، حيث استغرب هذا المنع من قبل الوكيل. وعلل الديكان ذلك المنع، بسبب انتهاجه أسلوباً مغايراً لما هو سائد من الأجواء العربية في الأغنية الشرقية المصرية والسورية، حيث كان يقدم ألحاناً كويتية تحتوي على الإيقاعات البحرية، مشيراً إلى ان د. دوخي لم يكن راضياً عما يقدمه شقيقه الراحل عوض دوخي في جانب ميله إلى الجو المصري، لأن عوض فنان يستطيع غناء الفنون بإجادة كبيرة. وفي ديوانية د. دوخي، الذي استنكر عدم تعاون الوكيل، كان عوض موجوداً، فقال من الذي منع عبدالعزيز جعفر أو أحمد باقر، فقام بجلب الأشرطة بنفسه للديكان. ويذكر الديكان، أن الفنان الراحل، قد قدم له شريطاً ممتلئاً بالأغنيات الشعبية، فراح الديكان يدون هذه الأعمال ويكتب النص، لكل هذه الفنون الشعبية. فقد استعان بذوي الخبرة في معرفة الكلمات المهلهلة، فاللحن لا يكون واضحاً بسبب عدم وجود الآلات، ومن هنا قام بعملية فلترة لها. وأضاف الديكان أن طريقة التسجيلات القديمة، أن يفتح الميكروفون ويبدأ بالغناء، من دون البدايات، وهذا مكمن الصعوبة، لذا توجه إلى الفرق الشعبية لمعرفة كيفية البدايات، مستعيناً بمسجلته الخاصة، لتوثيقها، ولم يقصر معه نجم العميري في الإجابة عن الأسئلة الكثيرة عن تفاصيل تلك الفنون. كما أكد الديكان أن بعض فناني الفرق ليسوا على علم ودراية ببقية الفنون الأخرى، ما جعله، يلتقي بالمزيد من الفرق وفنانينها، حتى يحصل على المعلومات والإفادة الكاملة عن أجواء الفنون البحرية في الكويت.

مشاركة :