الشارقة:«الخليج»أبواق صغيرة، لكن، أصواتها عالية. هذا ما يمكن أن يطلق على الإعلام القطري الذي بات واضحاً أنه إعلام متوتر، يتخبط في لغة حضيضة هابطة لا تحترم أخلاقيات المهنة، ولا نبل تقاليد المواجهات أو الحرب الإعلامية التي تقوم عادة على البراهين والإثباتات بالوثائق والمعلومات والمعطيات الخبرية والمواقف السياسية التي يعلنها أصحاب القرار، بعيداً عن لسان الشتم و«الردح» السوقي الخارج عن أخلاقيات المهنة، ومواثيقها الدولية.معاينة المشهد الصحفي، بشكل خاص، في قطر تؤشر إلى حجم الاحتقان السياسي والثقافي والمهني عند «الجمع» الارتزاقي الذي سمم الصحافة القطرية بمفردات دونية، ما يشي بنوع من الانتقام والتشفي الدفين عند ثلة من الصحفيين، كانت بالأمس القريب تهاجم الخليج العربي برمته، ومنه دولة قطر، وتختزل هذا الإقليم الحيوي بمصطلح متداول حتى اليوم هو «البترودولار»، وهو ذاته اليوم البقرة الحلوب التي لم يشبع بعد من درها انتهازيو الصحافة القطرية.أزمة قطرية وليست خليجيةنقف الآن عند القاموس الصحفي القطري والإعلامي بشكل خاص، فقد درجت الصحافة الورقية وفضائية الإخوان «المجرمين» على استخدام مصطلح أو عبارة «الأزمة الخليجية» في الأخبار والتحاليل والمقابلات مع ذوي الاختصاص، والحقيقة أنها «أزمة قطرية» وليست خليجية.تذهب الصحف القطرية إلى تعميم مفهوم «الأزمة» على المحيط الخليجي كاملاً، فيما يعبر هذا المحيط سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وإعلامياً عن وحدته الوجودية والبنيوية، من خلال الدول المكونة لمجلس التعاون الخليجي، وفي الهامش أو على «الجنب»، تكسر قطر الغصن الذي تجلس عليه كما جاء في أحد التعليقات الموضوعية على أزمة الدوحة.نعم تكسر أو كسرت قطر الغصن الذي تجلس عليه فوق شجرة مجلس التعاون، وهكذا فالأزمة قطرية أولاً وأخيراً، رغم أنها تقع تحت مظلة خليجية تحاول ترتيب البيت السياسي القطري برؤى عملية حكيمة.الوصايةتستخدم الصحف والإعلام القطري عموماً عبارة استفزازية فعلاً هي «الوصاية»، ودول مجلس التعاون الخليجي التي ضاقت ذرعاً بالسياسة القطرية المستقطبة للخلايا الإرهابية الإخونجية ومثيلاتها المربّاة على العنف والتعصب والجاهلية، لا تفرض وصاية على دولة ولا على نظام ولا على فرد أو مؤسسة، بل، لا تفرض دول مجلس التعاون الخليجي وصاية على فكر أو على ثقافة، والشواهد كثيرة وعملية، على ذلك، لكن ليس مكانها الآن.«العرب» خرجت ب«مانشيت» من هذا النوع: «قطر ترفض الوصاية» وكما هو معروف سيكولوجياً في الإعلام، تتوجه مثل هذه العناوين عادة إلى قارئ مهيّأ سياسياً ونفسياً إلى نوع من «الحمية» بعدما تربى على أدبيات إعلامية جعلت فكرة الانتماء تصل إلى درجة التعصب.تلعب الصحافة القطرية على مفردة «الوصاية»، عبر استدعاء تاريخ سياسي قديم من «الوصايات» الاستعمارية؛ الدولة الأكبر والأقوى تلتهم الدولة الأصغر والأضعف، وتحتل سيادتها وقرارها السياسي. هكذا يتوغل مفهوم «الوصاية» إلى عقلية المواطن القطري العادي، فتنمو في نفسه روح ثأرية تنفصل، عبر الإعلام، عن محيطها الخليجي النفسي والاجتماعي.قاموس هابط«الراية» أكثر الصحف قرباً من الأمير تميم ودائرته الاستشارية والسياسية، ولذلك، ستكون لغة الشتيمة في ذروة عرائها المعيب إلى درجة استخدامها هذا العنوان «انبحوا كيف شئتم فلن تغير قطر ثوابتها»، أما في الداخل فالتقارير وكتّاب الأعمدة «والرأي!!»، يدورون في الفلك نفسه: قاموس مشدود، وخطاب صحفي متشنج بلا لياقة، ولا حياء من القارئ الذي تدخل الصحيفة بيته، وهي في النهاية مادة تربوية أخلاقية إلى جانب كونها مادة سياسية.ما هو قاموس الصحف القطرية عموماً: خذ الآتي، وهو المستخدم الفوري في الخطاب الإعلامي عموماً في قطر، حيث كلمات مثل: الحثالة، الصفاقة، السفاهة أو السفهاء، النباح، الهوس أو المهووسون، السفالة، وغير ذلك من قاموس ورد في صحيفة «الراية»، وهنا نقطة على الهامش، وهي ان المنابر الصحفية في قطر: الراية، الشرق، العرب، غلف تايمز، قطر تريبيون، الوطن، اسلام اون لان، الجزيرة نت، وبالطبع إلى جانب وكالة الأنباء القطرية، وجميعها تستخدم سياقاً صحفياً متشابهاً، إن لم يكن واحداً قائماً على التحريض، وتوسيع فجوة الخلاف.من الملاحظ أيضاً، وكما جاء في موسوعة «ويكيبيديا» ان الدوحة رفعت الرقابة عن الصحف القطرية في اكتوبر 1995، وأصدرت القانون رقم 5 لسنة 1998 القاضي، كما جاء في الموسوعة، بإلغاء وزارة الإعلام والثقافة، وإنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث. وبكلمة ثانية تعطينا هذه المعلومات مبرراً للقول ان الإعلام القطري بدأ يهيّئ بيئة منفلتة للصحف والفضائيات مع صعود نشاط الإخوان المسلمين في تسعينات القرن العشرين، وكانت قطر آنذاك، وما زالت، حاضنة معنوية ومادية لجماعة الظلام ورموزها التحريضيين العرابين، مثل يوسف القرضاوي الذي وظف الدين للسياسة، أو أنه عمل مع مجندين على نطاق فكري عقائدي واسع على تسييس الدين، وتالياً وما زلنا في قطر، سوف يجري استقطاب عزمي بشارة، وجزء من مرجعياته «الكنيست الإسرائيلي» في إطار فكري سياسي انتهازي، وسوف يجد الرجل نفسه في قلب الإعلام القطري بدرجة «صانع قرار» ومعه، أو حوله أذرع طويلة أو قصيرة من صحفيين عرب يدينون له بالولاء المطلق، وهؤلاء تحت ظل بشارة أهم صناع المانشيت «المرقع» بالسباب والانفلات وقلة الحياء.تملق وغزلعناوين الصحف القطرية، وبلا تحفظ، تبدو كأنها في حالة انفلات نحو ملالي إيران، وعثمانيي تركيا، بل أبعد، قليلاً أو كثيراً، نحو «الهوى الإسرائيلي». مغازلة إيران اليوم، طفت على السطح، غزل علني نحو الارتماء في حضن اعلام وثقافة وسياسات مطبوخة على نار فارسية، ومرة ثانية بأقلام مأجورة، وذمم مشتراة.إن أكثر ما يجرح كينونة الإنسان العربي عموماً، وليس الخليجي وحده، ان يصدمك العنوان الصحفي بعرائه وفجاجته ومباشرته الخبرية المستفزة، وهو مرة ثانية لعب مكشوف على نفسية المواطن العربي الذي يراد له أن يصدم (وكأنه خلو من الصدمات)، ويراد له أن ييأس ويستسلم بالتدريج للاملاءات النفسية للمادة الصحفية المشبعة بالكراهية والنقمة والحنق.إننا عندما نتحدث عن الإعلام ، ونأخذ التغطية الصحفية اليومية فيه، نسوق كل ما سقناه، ونحن نعرف الأثر البصري والنفسي والثقافي ل«المانشيت» وكيفية صناعته.صناعة الخبر والعنوان والرأي في الصحافة القطرية، محكومة إلى عقيدة مغلقة في قطر، بل، إن الإعلام كله المرئي والمكتوب والمسموع يتغذى أساساً من «الخابية» الإخونجية المكفولة بحماية النظام السياسي القطري الذي جند منذ أكثر من ربع قرن، فعاليات وبرامج ومنظمات ظلت تعمل في الظل، وبعضها تحت الأرض، وما ان أصبحت تتجول في الشارع القطري السياسي بلا خوف وبلا ضبط قانوني وقضائي، حتى أخذت تكبر وتكبر مثل كرات الثلج (بل كرات النار) المتدحرجة، وفي العلن، تطبل وتزمر لها الأبواق ذات الأصوات المرتفعة. فيما الدولة تسقط عن الغصن، بالتصوير الجزيري البطيء.
مشاركة :