القيادي الإسلامي عرف بارتباطه بتنفيذ أجندات الدوحة الخفية في ليبيا، منها إبرامه لصفقات أسلحة وتدريب جهاديين وغيرها من التكتيكات والأساليب الإرهابية التي اختصت الدويْلة الخليجية.العرب حبيب المباركي [نُشر في 2017/06/11، العدد: 10660، ص(9)]عبدالحكيم بلحاج جهادي من قيادات القاعدة يبرز اسمه في قوائم الإرهاب تونس - أدرجت السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين، الجمعة الماضية أسماء 59 فرداً و12 كياناً مرتبطين بقطر في قوائم الإرهاب المحظورة لديها، من بينهم 5 أشخاص ليبيين من أصحاب الأدوار مشبوهة، ما ساهم بتصعيد العنيف وإطالة عمر الأزمة الليبية وإزهاق المزيد من الأرواح، من بين هؤلاء عبدالحكيم بلحاج الذي تلقى كافة أشكال الدعم القطري في السنوات الماضية. وفي ظل ظرفية سياسية متقلّبة وأحوال دول متبدّلة ربما قد يجد البعض من الرموز نفسه محرجا وخارج دائرة الحسابات. ملف العزلة والمقاطعة لدولة قطر من جيرانها الخليجيين، وهي الراعي الرسمي لبعض الشخصيات والحركات الإسلامية والجهادية، ينسحب دون أدنى شك على بلحاج إضافة إلى ارتباطات أخرى مشبوهة ببعض الرموز في تونس والعديد من البلدان العربية والأوروبية طبَعَها الإرهاب مؤخرا وضرب معاقلها بلا هوادة. يعرف في أوساط التيارات الإسلامية بأبوعبدالله الصادق. اسمه كاملا عبدالحكيم الخويلدي بلحاج ومعروف أكثر في الأوساط السياسية بعبدالحكيم بلحاج. من أبناء الحركة الإسلامية في ليبيا، وواحد من شبان الجهاد الأفغاني الذين غادروا ليبيا في نهاية ثمانينات القرن الماضي إبّان تصاعد العداء ضد السوفييت في حربهم مع الأفغان. تحول من رجل مطارد في الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية إلى بطل حمّله ثوار ليبيا لواء تحرير طرابلس. رحلة الهروب من ليبيا قادت بلحاج إلى حوالي 20 دولة أبرزها باكستان وأفغانستان وتركيا والسودان، رافق خلالها بعض “أمراء الجهاد” وعلى رأسهم عبدالله عزام. يقول بلحاج في وصفه لهذه الدول التي زارها أثناء تنقلاته، إنها من أكثر المحطات التي طالت إقامته فيها واكتسب من خلالها العديد من التجارب “كونها مرحلة فيها نوع من الخصوصية”. عرف عن بلحاج انتماؤه المبكر إلى التيار الإسلامي قبل أن يؤسس بنفسه الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة التي تزعّمت معارضة حكم العقيد معمر القذافي. في سنة 1993 استقر عبدالحكيم بلحاج بمدينة بنغازي شرق ليبيا حيث مقر الحركة السنوسية. استفاد “القائد الإسلامي” من العلاقة المتوترة بين سكان المنطقة ونظام القذافي فشرع في تجنيد عدد من الشباب لمشروعه السياسي الرامي إلى قلب نظام الحكم في ليبيا، وأوعز إلى فتيانه بدخول اللجان الثورية للحصول على التدريب والأسلحة للقيام بانتفاضة مسلحة ضد نظام العقيد الممسك بزمام الأمور في تلك الفترة. بعد سنتين من العمل السري اكتشفت السلطات الليبية مكانا سريّا للمقاتلين شرق ليبيا كان معدّا للتدريب. هذا الاكتشاف للجماعة كان منطلقا لبداية خريف ساخن بينها وبين القذافي الذي استخدم طيرانه العسكري لضرب معاقلها في بعض الجبال التي كانت تتحصن بها ليجهض خططها الانقلابية ويشتّت توزعها. بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 صعّدت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها من لهجتهم في المنطقة ضد الإسلاميين عموما والعائدين من بؤر التوتر في أفغانستان على وجه الخصوص. خلال تلك الفترة كان بلحاج يخطّط للسفر من ماليزيا إلى السودان، لكنه وقع في أيدي المخابرات الأميركية الـ”سي آي إيه” سنة 2004 ليتم تسليمه إلى نظام العقيد معمر القذافي خصمه اللدود لينتهي به المطاف في السجن.رحلة الهروب من بلاده ليبيا تقود بلحاج إلى حوالي 20 دولة أبرزها باكستان وأفغانستان وتركيا والسودان، رافق خلالها بعض أمراء الجهاد وعلى رأسهم عبدالله عزام. يقول بلحاج في وصفه لهذه الدول التي زارها أثناء تنقلاته، إنها من أكثر المحطات التي طالت إقامته فيها واكتسب من خلالها العديد من التجارب كونها مرحلة فيها نوع من الخصوصية سيف الإسلام يخرجه من السجن خلال فترة سجنه سمح لبلحاج بلقاء رفاقه والتعرف عليهم داخل معتقلات القذافي. فقاد حوارا شاملا حول الأسس الفكرية للجماعة كان الهدف منه إيجاد مراجعة للكثير من المفاهيم وكان سنده ورفيقه في الحوار الشيخ الصلابي، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين. سنة 2010 أفرج عن بلحاج، الذي قضّى قبل ذلك سنوات في سجن غوانتانامو، بعد إعلان هدنة مع نظام القذافي برعاية نجله سيف الإسلام. بعد سقوط نظام القذافي وفي ظل الاضطرابات الأمنية التي عاشت على وقعها ليبيا والاتهامات التي لاحقت عبدالحكيم بلحاج لدعم الميليشيات المسلّحة خاصة وأنه كان قائدا عسكريا سيطر على كميات هائلة من السلاح المنتشر في البلاد، ازداد نفوذ الرجل وأصبحت له كلمة في الدوائر السياسية الضيقة منها والمفتوحة. قناة “الجزيرة” القطرية اشتغلت على هذا الجانب وعملت على إظهار القيادي الإسلامي في صورة القائد، رغم أن العديد من العارفين بأسرار ملحمة باب العزيزية يؤكدون أن دوره كان ثانويا. في محاولة منه لرد الاعتبار للأنا المتعالية يقول بلحاج “كنت أترأس الآلاف من الثوار وحين تركت المجلس العسكري وجهتهم جميعا إلى وزارتي الدفاع والداخلية في ليبيا وصرت مدنيا”، وهو تصريح يرى خصومه أنه غطاء مدني وسياسي مارس من خلفه أمير الجماعة السلفية المقاتلة أنشطته ذات التوجه الإســـلامي المــتشدد بــحرية. المتابعون للمشهد السياسي في ليبيا يتوجّسون من قوّة بلحاج التي اكتسبها في المعسكرات “الجهادية” سابقا، حيث يعتقد الكثيرون أن تجاربه على مدى أكثر من خمسة عشر عاما قد تدفعه إلى جر ليبيا إلى المزيد من الخطط السرية مع أتباعه الجهاديين من أجل فرض نظام إسلامي متشدد كما كان يحلم هو وبعض الدوائر النافذة والدول الراعية للإسلاميين والتنظيمات الجهادية خصوصا دولة قطر. صناعة قطرية كغيره من الرموز والقيادات البارزة التي تعرف بموالاتها وطاعتها لمن يحتضنها هي وآراءها، يوصف عبدالحكيم بلحاج بأنه الراعي الرسمي لمصالح قطر في ليبيا. فالقيادي الإسلامي عرف بارتباطه بتنفيذ أجندات الدوحة الخفية في أكثر من مكان في ليبيا، من ذلك إبرامه لصفقات أسلحة وتدريب جهاديين وغيرها من التكتيكات والأساليب الإرهابية التي اختصت الدويْلة الخليجية، المعزولة من جيرانها، بتمويلها بسخاء. بلحاج ورغم نفيه، أمام وسائل الإعلام وأثناء اللقاءات الصحافية، أيّ ارتباط كان يجمعه بالقيادة الرسمية في قطر، إلا أنّ الشكوك في كل مرة تسلّط الضوء عليه. من ذلك صفقات الأسلحة التي وصلت إلى ما يعرف بثوار ليبيا خلال الأيام الأولى للثورة الليبية في العام 2011 والتي كان منطلقها الدوحة.بلحاج لا يزال لغزا مفتوحا بلحاج كان من المخلصين للمشروع القطري الطامح إلى قيام حكومة إسلامية مهما كلف الأمر. في هكذا مستوى يدور الحديث عن صفقات مشبوهة بحضور قيادات ليبية على رأسها بلحاج سرّعت قطر في فرضها ليشن التحالف الدولي هجوما على ليبيا في مارس 2011. ويظل الهدف المعلن حتى الآن إسقاط نظام القذافي فيما الهدف الخفي أن تظل ليبيا مرتعا للميليشيات الإسلامية التي ظلت تعيث في الأرض فسادا إلى حدّ الساعة. الآن وقد كشفت اللعبة في قطر، افتضح أمر الجماعات والشخصيات الموالية للدوحة. وقرار حشر قطر وتركها معزولة انتظره العرب طويلا وخاصة جيرانها من الخليجيين. شعار “من ليس معي فهو ضدي” يأخذ مكانه بالنسبة إلى قطر. في هكذا مستوى تضحى التصريحات والتعليقات والاستنكارات ولغة التعاطف هي الطاغية لدى بعض الرموز للتعبير عن آرائها من الموقف الخليجي تجاه الدوحة. بلحاج كغيره من المبهورين بسياسة الشيخ تميم من أمثال التونسي المنصف المرزوقي عبّر عن تعاطفه ووقوفه إلى جانب قطر بعد أن قطعت الدول الخليجية علاقاتها مع الدوحة. إذ قال في تدوينة نشرها على موقع تويتر “أستهجن ما حدث من هجمة تجاه المخلصين لأمّتهم وقضاياها. إنه لمن المحزن أن نرى هذه المواقف من عواصم عربية”. لكن ماذا عن موقف بعض الدول العربية العالمية من القيادي في الجماعة الإسلامية، خصوصا وأن اسمه ارتبط في أكثر من مناسبة بعمليات جهادية واغتيالات وقعت في بلدان مجاورة مثل تونس؟ القيادي السابق في تنظيم القاعدة أصبح لا يروق لسياسات دول عربية وغربية وخصوصا الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب. واشنطن أرسلت إنذارا أخيرا لقطر من أجل فكّ الارتباط مع عناصر تنظيم القاعدة في ليبيا. الإنذار الأميركي لقطر يتعلق بوقف دعمها للتنظيمات المسلحة الموالية للقاعدة وعلى رأسها ما يسمّى بثوار طرابلس. واشنطن في عهد الرئيس الجديد لا تعتبر أن بلحاج شخصية سياسية وترغب في تصفية الجماعات الإرهابية بمن فيها الموالون لتنظيم القاعدة في ليبيا.ملف العزلة والمقاطعة لدولة قطر من جيرانها الخليجيين، وهي الراعي الرسمي لبعض الشخصيات والحركات الإسلامية الجهادية ينسحب دون أدنى شك على القيادي الليبي عبدالحكيم بلحاج إضافة إلى ارتباطات أخرى مشبوهة ببعض الرموز في تونس والعديد من البلدان العربية والأوروبية طبعها الإرهاب مؤخرا وضرب معاقلها بلا هوادة اسم عبدالحكيم بلحاج تردد كثيرا في تونس خصوصا بعد اغتيال القياديين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ليثير أكثر من نقطة استفهام حول دوره المحتمل في الحادثتين دون توضيح مقنع لدى الرأي العام لا سيما بعد تداول صور لبلحاج ولقاءات وتسجيلات تؤكد علاقته بشخصيات وقيادات في حركة النهضة الإسلامية في مناسبات مختلفة زمن حكم “الترويكا” بما في ذلك عندما كان يتلقى العلاج بأحد مصحات العاصمة تونس. تتكشّف خيوط اللعبة أكثر كلّما اقتربنا من بعض الرموز التي تلاحقها ملفات فساد ورشاوى في تونس على غرار شفيق الجراية الموقوف حاليا والذي لا ينكر صلته ببلحاج في أكثر من لقاء إعلامي، ليزيد المشهد إرباكا ويعمّق فرضية تدخل الرجل في بعض الملفات العالقة داخل الدولة الجارة. العارفون بأسرار الرجل يؤكدون أن بلحاج وإن نزع بزة المحارب وجنح إلى اتّباع أسلوب الفصاحة والتسيّس المغشوش فإن ذلك لا يمحو عنه صفة المنتمي لصفوف حركة طالبان التي ضمت العديد من الوجوه الليبية من بينها عطية عبدالرحيم أحد القادة الميدانيين. مؤسس الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في ثمانينات القرن الماضي الذي لا يخفي لقاءه ببن لادن عندما كان يقاتل السوفييت في أفغانستان قال عنه الرجل الثاني في تنظيم القاعدة حينها أيمن الظواهري عندما كان في السجن “إنه الأمير المجاهد الصبور الذي سيواصل القتال مع المجاهدين”. بلحاج لا يزال لغزا مفتوحا على كل الاحتمالات. فلئن غيّر من خطابه ليتحوّل إلى فقيه سياسي بعد أن عانق طويلا الأعمال العسكرية، فإن الغموض لا يزال يطبع شخصية الرجل وخصوصا عندما يتعلق الأمر بقناعاته ومدى تقبّله لوجود نظام مدني في ليبيا. ما هو مؤكد ولا يقبل النقاش أن بلحاج الذي رفع السلاح في وجه الأميركان في أفغانستان والعراق وقبل بدور الناتو في ليبيا، لا يبدو أنه شخصية كشفت عن كل أسرارها في ليبيا أو ربما خارجها.
مشاركة :