سامية عبو برلمانية شرسة قوتها في أنوثتها بقلم: حبيب المباركي

  • 8/20/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تونسية ذات كاريزما علية اكتوت بنار بن علي فلم تسمح للنهضة بتجاوز الحدود.العرب حبيب المباركي [نُشر في 2017/08/20، العدد: 10728، ص(7)]شعارها الجرأة والصراحة تونس - يتزامن حديث المرأة في تونس بانتصاراتها التشريعية في ملفات مثل التوريث والزواج وسواها، مع بروز حالة نسوية تواصل ريادة تونس الاجتماعية العريقة. وعلى غرار العديد من المناضلات في الوطن العربي، من أمثال الجزائرية جميلة بوحيرد والمغربية زهور المدغري العلوي والتونسية الحقوقية راضية النصراوي اللائي خلّد التاريخ تجاربهن في النضال ضد الظلم والقهر المسلطين على رقابهن من كل ناحية، تحتم علينا في تونس البلد المتوسطي الذي أنجب العديد من الشخصيات السياسية التي ذاع صيتها عالميا من العالم الذكوري أن ننتظر الزمن الثوري بمخاضاته وتقلباته وإنجازاته وربما في بعض الأحيان بلعناته لنرى امرأة تصعد سلّم سبر الآراء “مؤسسة سيغما كونساي” تحديدا، بخطوات ثابتة لتحتل مرتبة متقدمة وتنافس أبرز القادة السياسيين وألمعهم على غرار يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية الحالية. هذه المرأة هي سامية حمودة عبو السياسية التي بعد أن خرجت مرتين من جلباب رجلين معروفين في عالم السياسة الكبير زوجها محمد عبو ورئيس حزبها والرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي لترتب صورتها لدى جمهور السياسة ولدى شعب “الفرجة” عبر الشاشة الصغيرة لتستهوي العقول وتجتاح غريزة القلوب كسياسية “شرسة” ذات “كاريزما عالية” أزعجت غيلان السياسة بفائض حسّها وتعمّقها في قلب الموازين لصالحها أيمنا حلّت. وممّا يسجّله التاريخ لزعيمة حزب المحافظين في بريطانيا مارغريت ثاتشر الملقبة بـ”المرأة الحديدية” أنها وقفت ذات يوم بكل شراسة أمام كبار الشخصيات السياسية النافذة في مؤتمر حزبها لتتلفّظ بقولتها الشهيرة التي ظلت راسخة في أذهان السياسيين إلى اليوم “إلى الذين ينتظرون بأنفاس محبوسة هذه العبارة التي تحبّها وسائل الإعلام.. لا يوجد لديّ ما أقوله لكم سوى شيء واحد: تحوّلوا إذا أردتم لكن هذه السيدة (ثاتشر) لن تبدّل موقفها مطلقا”. هذه المقولة التي أقرت بها ثاتشر حينها لا ترسم صورة نمطية لها، تلك الصورة التي ربطتها بطينة من الفولاذ إلى الأبد، بقدر ما كشفت عمّا يجب أن تكون عليه امرأة تحترف السياسة في وسط موسوم بالغيلان ومستعد لالتهام كل شيء وفق قاعدة “الخيانة بوجه مبتسم” على غرار ما تعيشه السياسية المحنّكة عبو. وفي بلداننا العربية، وتحديدا في تونس، فإن ما يزيد الغموض ويقوّي فرضيات التزكية لصالح مجتمع ذكوري يسعى إلى صنع نساء بمرتبة “جرّافات سياسية” تجبرهن على تليين وتغيير مواقفهن هو تلك المساحة المزروعة بالألغام في عالمهن والتي عادة ما توكل مهمة رعايتها إلى رجل تخلص من “عقده” الشخصية لفائدة نجاح امرأة فولاذية يقف وراءها. سياسية بلا مكياج في أحيان كثيرة قد يعجز محترفو المسار الثوري في تونس والصاعدون الجدد لمعانقة دروب السياسة الطويلة والمضنية عن انتزاع ترقية شعبية تؤهلهم لاكتساح “الضمير الشعبي” ونسج صورة مناقضة لما يسجل ويدوّن عن عبو. فهذه المرأة الخمسينية التي تختار ملابسها بعناية كما تختار ضحاياها أيضا من السياسيين الذين يقعون في “السقطة تلو الأخرى” تذهب إلى خوض حروبها داخل البرلمان وخارجه بنفس الهمّة والعزيمة اللتين تميزان أيّ عاشق للأمل في الوجود والتمسك به حتى ولو كان ضئيلا. أوصاف تطبع شخصية النائبة البرلمانية عبو، المحاربة التي لا تنسى أن تضع مكياجها الخفيف وكأنها ترسل رسالة واضحة لخصومها مفادها أن تلك الشراسة التي تطبع مواقفها لا تلغي عنها صفة المرأة الحبيبة أو المرأة الأم أو المرأة التي تراجع مشاريع القوانين مثلما تتفقد شؤون بيتها وترتّبه.عبو امرأة تصعد سلم سبر الآراء في “مؤسسة سيغما كونساي” بخطوات ثابتة لتحتل مرتبة متقدمة وتنافس أبرز القادة السياسيين. ما هو واضح للعيان ولا يختف فيه اثنان أن عبو لم تكن كغيرها من السياسيات اللائي بزغ نجمهن في سينما المشهد الثوري بعد ثورة يناير 2011 أو حتى في مشهد تركيز مؤسسات الجمهورية الثانية، لكنها اختارت طريق الشعب وأرادت أن تكون نائبا عنه وله، فتخلصت من أدوات مكياجها السياسي وحتى من انتمائها السياسي أيضا. فهذه المحامية، المولودة بمدينة طبربة التابعة لمحافظة منوبة، أين زاولت تعليمها الابتدائي والثانوي، ليختار قلبها وحسها معا كلية الحقوق التي تخرجت منها وعرفها معارضو الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عن قرب من خلال الدفاع عن زوجها محمد عبو، أحد القيادات التاريخية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، بعد رسالته الشهيرة التي شبّه فيها نظام الحكم في تونس بنظام الحكم في دولة الكيان الصهيوني. ثأر مع نظام بن علي لمع اسم سامية عبو بعد صدور حكم بالسجن على زوجها محمد عبو في مارس 2005، المناضل وأحد أبرز مؤسسي حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وأبرز مناهضي بن علي ونظامه، وهو الذي لم يتوان عن كتابة مقالات صحافية أشهرها “بن علي شارون” والذي كال فيه الشتائم والنقد لبن علي وسياسته ليزجّ به في السجن، وقد كان أول من خاط فمه في السجن. وفي الأثناء تعرضت زوجته وأولاده لمضايقات من قبل السلطة. وظل عملاء سريّون يتبعونها واضطرّت إلى مواجهة سطوة النظام من أجل إنصاف زوجها وإطلاق سراحه رغم حملات التشويه التي طالتها. وبعد انتخابات المجلس التأسيسي وجدت عبو نفسها نائبة عن الشعب تعبّر بكل جرأة وصراحة عن مواقفها السياسية، وتنقد حتى الحكومة التي كان زوجها عضوا فيها قبل أن يستقيل، وتنقد حركة النهضة الشريك القوي للمؤتمر من أجل الجمهورية للحكم ولا تتوانى عن القول إن النهضة “تبشّر” بدكتاتورية دينية.خروج عبو مع زوجها من حزب “المؤتمر من أجل الجمهورية” وتأسيس حزب “التيار الديمقراطي” يعتبر إدانة صامتة لانحراف حزب الرئيس. ويقول متابعون للمشهد السياسي إن لها دورا خفيا في تعديل أوتار المواقف السياسية لزوجها. مواقفها الجريئة والصريحة دعت البعض للقول إن عبو بصدد نحت مسيرة سياسية موازية لمسيرة زوجها، وأنها ستكون في قادم السنوات وجها نسائيا هاما في الحياة السياسية التي من الصعب أن تنجح فيها نساء أخريات بسهولة. انضمامها المبكر إلى حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (2006)، ومساهمتها في تأسيس المجلس الوطني للحريات بتونس ودخولها معركة “النضال” ضد نظام قمعي من خلال الدفاع عن زوجها، إضافة إلى البيئة التي تغذت من عروق أرضها كل أشكال الرفض للتفقير والتهميش والظلم المسلط على رقاب أبناء شعبها، مثلت العناصر الرئيسية التي أخرجت هذه الشخصية للعلن وأظهرتها للتونسيين. يخاطبك جلّ التونسيين في الراديو، في وسائل النقل الخاصة، في الملاعب، وأحيانا في الاعتصامات الشبابية المطالبة بالتشغيل عن الدور الذي تقوم به عبو لإيصال أصواتهم وهي تفعل ذلك أثناء مداخلاتها في البرلمان. زعيمة برؤية عسكرية لم يكن سهلا على عبو أن تكون صياغة خالصة لسلالة كاملة من “الأمازونيات”، إذ كان عليها أن تنتظر سقوط نظام بن علي ليعرفها الرأي العام. إلا أنها ظلت حبيسة ذلك الدور المرهق، أي زوجة المناضل محمد عبو إلى أن جاءتها الفرصة أو الصدفة الأولى لتصعد إلى المجلس الوطني التأسيسي معوّضة محمد المنصف المرزوقي الذي صعد إلى كرسي رئاسة الجمهورية في 2011. وفعلا، كانت السنوات الثلاث أشبه بدورة عسكرية مكثفة شهدت حدثين هامين؛ استقالة زوجها من وزارة الإصلاح الإداري في حكومة “الترويكا” الأولى وخروجها هي وزوجها من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وتأسيس حزب التيار الديمقراطي، في ما اعتبر إدانة صامتة لانحراف حزب الرئيس وتمايزا واضحا عن حكومة بدا منذ البداية أن وهج الغنيمة أذهب عقول فاعليها. وفي المقابل شكّل ذلك لسامية عبو بداية التحول الكبير، إذ تحرّرت من وظيفة زوجها مثلما تحررت من شخصية إشكالية ثبت هوسها بالكرسي، وهي شخصية المرزوقي، لتبدأ رحلة عبور الصحراء كما يقال دون أن تخطئ بوصلتها جهة الضمير أبدا. وتحظى عبو بمستوى عظيم من الشراسة كسياسية تخوض معاركها بوجه مكشوف وبأسلحة صهر حديدها في فرن الغضب الشعبي بعد صعودها إلى أول مجلس نواب شعب في الجمهورية الثانية. وإلى أن استقرت هذه الصورة في عقول شرائح واسعة من التونسيين، مرت عبو بفترات تدريب عسيرة، بدءا بالزوجة الخائفة على زوجها من نشاطاته المعادية للنظام، فالزوجة التي تقطع الأميال لتعاضد زوجها في محنته بسجن محافظة الكاف، مرورا بمرحلة الحبيبة المخلصة التي ساندت شريكها في محنته الأخيرة ضد نظام المخلوع، فالنائبة بالصدفة في “مجلس وطني تأسيسي” جمع نجوم المعارضة مثلما جمع الوجوه المهزومة داخل قبته، وصولا إلى مرحلة النائبة الشرسة في مجلس نواب شعب تحلّق في سمائه حمامة بجناحي “التوافق” على حساب مصير شعب بأكمله.حديث المرأة في تونس بانتصاراتها التشريعية في ملفات مثل التوريث والزواج وسواها يتزامن مع بروز حالة نسوية ريادية. وفيما ترى عبو رفاق الأمس من حزبها الأم الجمهوري أو في حزب المسار وغيرهما يسقطون الواحد تلو الآخر في سقطة السلطة البراقة، فإنها ابتكرت لها دورا يوصف بالمدهش لن يستنفد أبدا دور “نائبة الشعب الأولى”، إذ اختفت صور زملائها من أذهان التونسيين لتبقى صورتها تلك الصورة التي جمعت بين الشراسة والاعتداد بالنفس وإزعاج الجميع، زادها في ذلك صوتها وحده الذي لا يحتاج لميكروفونات أو مكبر صوت. ظاهرة صوتية إلا أن هذه المسيرة المدهشة، بشهادة الخصوم قبل الأعداء، لم تنجح في إنقاذ هذه المرأة التي يمكن تلقيبها بـ”الأمازونية” من أحراشها الذاتية. وإذا كان التصور الذي تحمله عبو عن دورها كنائبة يختلف تماما عن تصورات غيرها من زميلاتها في مجلس نواب الشعب أو حتى زملائها، إذا استثنينا بعض نواب الجبهة الشعبية، فالغالب أن عبو نفسها تبدو غير قادرة على رؤية نفسها خارج تمثلاتها الذاتية، وهو ما حوّلها إلى ضحية لبعض الأخطاء التي وإن لم تكن قاتلة إلى حد الآن، إلا أنها تمثل مطبات حقيقية في مسيرتها سواء الحالية أو القادمة. ولا نبالغ إن قلنا بشيء من المرونة إن عبو ينتفي الخط لديها نهائيا بين الإدانة والإهانة، وهو ما يجعل بعض تدخلاتها في المجلس ذات محتوى ومضامين “منفّرة” تجهض في المهد على وجاهة أيّ فكرة تقدمها. بل إن الأمر يزداد سوءا حين تتخفى عبو وراء تقنية “الصراخ” التي تزعج أيّ متابع وتسقط خطابها في ما يشبه “الخطابية” التي تفقد وهجها حين يتعلق الأمر بمدار العقل. وهي في ذلك تجعل من نفسها بالفعل “ظاهرة صوتية” تساهم في دغدغة المشاعر قبل العقول. يقودنا الحديث في هكذا مستوى إلى الاتهامات الجزافية التي تلقي بها عبو دون قراءة للعواقب ولا امتلاك أدلة كافية للمحاججة. ومن الأخطاء المرشّحة بشكل جديّ لأن تكون قاتلة في مسيرة السيدة عبو التسرّع وبشكل فظ في إطلاق الأحكام الجاهزة على خصومها، بل إنها تبني جزءا هاما من مضامينها على معطيات خاطئة مستقاة من السماع لا من البحث والتقصّي، وهو ما يجعلها في النهاية عرضة للسخرية. ربما يكون ماضي عبو مشرّفا بالاستناد إلى الثوابت في تجربتها النضالية لكن حاضرها أصبح هو أيضا مادة غزيرة للتندر في كل مرة تتدخّل فيها في مسألة لم تُعدّ نفسها لها جيّدا أو أعدّت نفسها لها جيدا وإنما بمعطيات خاطئة. مثلما هو الحال في الفترة الأخيرة عند توجيهها اتهامات وأسئلة محيرة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد تحت قبة البرلمان وصلت حد التشكيك في الحرب التي يخوضها ضد الفساد. عبو اختارت منذ البداية أن تلعب في دائرتها الخاصة. هذه الدائرة التي تفتح فقط على الجدل بشكل مبالغ فيه أحيانا. وهو ما يمثل خطرا على مستقبلها، وهي التي تقرّ دائما بأن طموحها السياسي محدود. ليست أقل من شخصية “إشكالية” أمامها مستقبل عامر، يرى البعض أنها لو استثمرت في نقاط قوتها وعدّلت ميزان المزاجية “العسكرية” وتفادت ألا ترى نفسها خارج “مرآة ذاتها ونرجسيتها”، حينها فقط يمكن أن تكون الاستثناء الذي سيطبع المشهد السياسي التونسي مستقبلا.

مشاركة :