لم يقتصر العزوف عن الكتب العربية في معرض تونس على الصغار فقط بل تجاوزه إلى كتب الكبار أيضا.العرب محمد حياوي [نُشر في 2017/06/11، العدد: 10660، ص(15)] هالني حجم الإقبال على الكتب الفرنسية في معرض تونس الدولي الأخير للكتاب، لا سيما من الأطفال واليافعين، ويبدو أن دور النشر الفرنسية أو تلك التي تنشر بالفرنسية إلى جانب العربية، تُدرك مثل هذه الظاهرة منذ الدورات السابقة فصارت تتسابق على حجز مساحات كبيرة لها في المعرض بغية عرض أكبر كمية ممكنة من عناوين الكتب الموجهة للأطفال واليافعين من الفئات العمرية المختلفة، وحيثما تجد أجنحة تلك الدور تجد التزاحم والتدافع واللهفة لاقتناء ما يمكن من تلك الكتب، ولم يقتصر الأمر على الأطفال أنفسهم أو ذويهم وحسب، بل تعداه إلى المدارس الحكومية والخاصة التي نظمت ما يشبه الزيارات العلمية للمعرض لتوجّه التلاميذ إلى أجنحة تلك الدور بالدرجة الأولى. وبالمقارنة بين كتب الأطفال باللغة الفرنسية والمطبوعة في الغالب في فرنسا وكتب الأطفال باللغة العربية التي تنشرها دور النشر العربية نجد الفارق الهائل في المستوى الفني والطباعي واضحاً بطريقة لا تمكن معها المقارنة بأيّ حال من الأحوال. وإذا كنا نتفق من حيث المبدأ على ضعف مضامين وإخراج وتصميم كتب الأطفال العربية في السنوات الأخيرة وعجزها عن مواكبة مثيلاتها باللغات الأخرى، لا سيما بعد أن تخلّت الحكومات العربية وبرامج التنمية والتعليم التابعة للجامعة العربية عن دعم دور النشر والمشتغلين في هذا المجال، فإن ظاهرة الإقبال منقطع النظير تلك تعد مؤشراً لافتاً إلى ضعف انتشار القراءة بالعربية في أوساط الأجيال الجديدة في تونس، إذ رافق ذلك الإقبال الكثيف على الكتب الفرنسية قلة إقبال على الكتب العربية إجمالا وكتب الأطفال على وجه التحديد، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة على مستوى انتشار العربية وتقاليد القراءة بالعربية بعد سنوات قليلة، عندما يكبر هؤلاء الناشئة ويعتادوا القراءة أحادية الجانب، ناهيك عن انعكاسات القراءة بالفرنسية على العمق الثقافي العربي والاستسلام التام للثقافة الفرانكفونية. وإذا كان البعض يجادل بأن مثل تلك الظاهرة هي دليل صحة وعافية بالنسبة إلى النشء الجديد، لجهة تجاوزهم هزال الموضوعة العربية ولوثة التدين والتطرف الديني المنتشرة كالسموم في كتب الأطفال العربية، وتعودهم على ثقافة رفيعة ومحايدة وخالصة من أدران التلوث الفكري التخريبي للتوجهات الدينية، فإن الأمر بالنسبة إليّ سلاح ذو حدين إن لم يتم توجيهه بالطريقة الصحيحة والدقيقة وتحت إشراف المربين والمختصين سيؤدي إن عاجلاً أو آجلاً إلى كوارث فكرية ونفسية عميقة لدى الأجيال الجديدة. لقد حضرت الكثير من معارض الكتاب العربية، بما في ذلك في المغرب، ولم ألحظ مثل هذه الظاهرة اللافتة، بل على العكس من ذلك شاهدت إقبالا كبيراً من القرّاء الشباب والتلاميذ على الكتب العربية الموجهة للأطفال واليافعين ذات المضامين الجيدة والصادرة عن دور نشر عربية مرموقة لها سمعتها في هذا المجال. ولم يقتصر العزوف عن الكتب العربية في معرض تونس على الصغار فقط بل تجاوزه إلى كتب الكبار أيضا، حتّى أن دور النشر العربية قد قرأت مثل هذه الظاهرة على ما يبدو في دورات المعرض السابقة، فلم تتحمس كثيراً للمشاركة الواسعة فيه واقتصرت مشاركتها على اعتماد وكلاء محليين من أصحاب المكتبات ودور النشر التونسيين، الأمر الذي انعكس بدوره على الفعاليات المصاحبة للمعرض وضعف المشاركة العربية الملحوظ فيها، ولا أدري إن كان الأمر مرتبطاً بالقدر الشرائية للقارئ التونسي وضعف الإمكانيات المالية للجهة المنظمة، أم بالعزوف عن اقتناء الكتاب العربي تحديداً وضعف الاهتمام به والإقبال عليه، لكن في جميع الأحوال أعدُّ تلك الظواهر مؤشرات مهمة يجب تأملها ومناقشتها بطريقة واعية، ليس من المثقفين وحسب بل من الجهات المنظمة للمعرض أيضاً. كاتب من العراقمحمد حياوي
مشاركة :