درس ديني لوسائل الإعلام ـ

  • 6/11/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن ما يجري في المساجد في يوم ما خبرا ملفتا لوسائل الإعلام لتقوم بنقله في بث حي، أشبه بمباراة رياضية، كما يحدث اليوم. فهل صار الحدث يُصنع في المسجد، أكثر مما يصنعه رجال الدولة؟ كان الزعيم الأوحد مادة إخبارية معتادة يوميا، وصار رجل الدين المعادل المعاصر لزعيم الأمس. لنتأمل بهدوء صورة العشرات من المايكروفونات التلفزيونية بعلاماتها المختلفة وهي تنصب في وقت مبكر أمام خطيب الجمعة، بوصفه مصدرا للحدث، مع إنه في واقع الأمر لا يقول أكثر مما قاله في الجمعة السابقة! أي إغراء أخباري يقدمه هذا الخطيب لوسائل الإعلام غير الاعتراف بعجزها عن صناعة قصتها الخاصة بمحتوى متميز! كان يُفرض عليها أخبار الزعيم الأوحد في قصة يومية تسد بها مساحة واسعة من بثها، بينما تتجه اليوم مباشرة إلى المساجد لنقل الهراء الطائفي وخطاب الكراهية لرجال الدين والدعاة وأئمة المساجد! وهذا لا يعني غير عجز وسائل الإعلام عن صناعة قصتها الخاصة. المسجد تخلى على وظيفته منذ أن صار جزءا مؤثرا على بناء الدولة، ولم يكن في يوم ما الدين حلا للدولة، إن لم يكن معضلتها على مر التاريخ، وصار الإعلام شريكا في صناعة التطرف والكراهية عندما انساق للخطاب الديني بوصفه جزءا من مهمته الإخبارية، وليس ناقدا له ومفند التخلف الكامن فيه. لا أتحدث هنا عن وسائل الإعلام التي اتخذت من الدين والطائفة خطابا وحيدا لمنتجها، من دون أن اُقلل من خطورتها، لكن الخطر يكمن في وسائل إعلام خصصت مساحات مخيفة للترويج الطائفي والديني، يظهر أثره اليوم في جيل يُعرّف نفسه بتطرفه أو بكراهيته للآخر. عندما يطالب القس جوستن ويلبي مواجهة التطرف في إطار تقاليد التحضر وتعليم الناس لماذا هذا غير مقبول، كما يتعين على السلطات القيام بالمزيد من الجهود لفهم “المبادئ الأساسية للإيمان الذي تتعامل معه”. نجد في المقابل أن الغالبية العظمى من رجال الدين المسلمين يبرعون في الإيغال بتكفير الآخر والحث على قتله، والحال أن خطابهم سيكون محدودا إن لم تسهم وسائل الإعلام في الترويج له وتقديمه بطريقة الفرض المقدس. علينا الاعتراف بأن الإعلام صار شريكا فاعلا في تفاقم محنتنا، عندما يمارس من دون تخويل اجتماعي دورا لم يرسم له.   كرم نعمة karam@alarab.co.uk

مشاركة :