بوح الخواطر في الاستعداد للعشر الأواخر (2 /‏ 1)

  • 6/14/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:بين يديك خواطر مبعثرة دارت في نفسي، وأثارت تساؤلات ملحة أشغلت ذهني، ولكم يشرفني أن أبوح لك بشذرات منها، لعلها تعينني وإياك على الاستعداد اللائق بالعشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.] هل أنا مستعد للعشر الأواخر من رمضان؟لا ريب أن كل واحد منا أعرف بحاله وأدرى بنفسه من ناحية الاستعداد، فله علامات ربما لاحظتها على نفسك مع الأيام الجليلة الماضية التي قضيتها من شهر رمضان الفضيل، فإن كنت لا زلت مستعدًا، فطوبى لك أنت في نعمة عظيمة، وإن كنت ترغب الاستعداد، فهذه بشرى سارة حتى نجلس سويًا ونهيئ أنفسنا جيدًا لاستقبال العشر الأواخر من رمضان.ولعل بعضنا يتساءل:] لماذا أستعد للعشر الأواخر من رمضان؟هناك أسباب عديدة تحثك على الاستعداد للعشر الأواخر من رمضان، من أهمها:1ـ أن فيها أعظم ليالي العام، وهي ليلة القدر، وإحياؤها بالعبادة خير من عبادة ألف شهر بنص القرآن الكريم، قال الله عز وجل: (ليلة القدر خير من ألف شهر) (القدر:3)، يعني أنك عبدت الله سبحانه بما يزيد عن (83 سنة و4 أشهر تقريبًا) عبادة متصلة، صلاة وصيامًا، صدقة وقيامًا، ذكرًا وقرآنًا، ومن أجل ذلك حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تفويت هذه الليلة النفيسة عندما دخل رمضان، فقال: (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم) (1).2- أن القرآن الكريم نزل في هذه الليالي العظيمة لا سيما ليلة القدر، قال الله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (القدر:1).3ـ أنها من المواسم الشرعية التي تكثر فيها البركة، قال الله سبحانه: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) (الدخان:3)، والملائكة تتنزل في ليلة القدر ومعهم جبريل عليه السلام، قال الله تعالى: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) (القدر:4)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى) (2)، فتتنزل معهم البركة والرحمة، وهذا يعني أيضا أن الدعاء فيها مستجاب، والملائكة تؤمن على دعائك.4ـ أن فيها ليلة تكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب لما يقوم به المسلم من طاعة الله، ولا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوء أو أذى، قال الله عز وجل: (سلام هي حتى مطلع الفجر) (القدر:5).5ـ أن من قام هذه الليالي المباركة تصديقًا بالله وبوعده وطلبًا للأجر والثواب غفرت له الذنوب السابقة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه) (3).6ـ أن الله سبحانه يعتق من النار في كل ليالي رمضان المبارك، والعتق في العشر الأواخر منه أعظم وأكبر وأجل، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة) (4).7ـ أن هذه العشر الأواخر تتيح للمسلم فرصة ثمينة ليتدارك ما فاته، ويختم له بخير، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم) (5).] متى أستعد للعشر الأواخر من رمضان؟استعد لها من الآن، وخطط لها من هذه اللحظة، واجعلها خطة معقولة متقنة، فقليل دائم خير من كثير منقطع، واعتمد فيها على الهدي النبوي في العشر الأواخر من رمضان، علمًا بأن تحري ليلة القدر يبدأ من ليلة الحادي والعشرين من رمضان، وينتهي بغروب شمس آخر يوم منه (6)، وإن أردت حقًا أن تصادف ليلة القدر، وتأخذ خيرها، فاحرص على الاجتهاد في سائر الأيام العشر الأخيرة، وكأنهن جميعًا ليلة القدر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) (7).نعم هذه الليلة في السبع الأواخر أقرب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) (8).وهي في أوتار العشر الأواخر أرجى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تحروا ليلة القدر في الوتر، من العشر الأواخر من رمضان) (9).وعند الجمهور أنها في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون (10)، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين)، وقال: (تحروها ليلة سبع وعشرين) (11)، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا نبي الله، إني شيخ كبير عليل، يشق علي القيام، فأمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر، قال: (عليك بالسابعة) (12)، وعن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر قال: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) (13)، ولما صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالناس ليلة سبع وعشرين دعا أهله ونساءه ليلتها خاصة وقام بهم إلى آخر الليل حتى خشوا أن يفوتهم السحور (14)، وكان أبي بن كعب رضي الله عنه يقول: (والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان، يحلف ما يستثني، ووالله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة صبيحة سبع وعشرين) (15)، وسئل التابعي المخضرم زر بن حبيش عن ليلة القدر، فقال: (كان عمر، وحذيفة، وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين) (16).وهذا في الغالب، وليس دائمًا، فقد تكون أحيانًا ليلة إحدى وعشرين، كما جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه (17)، وقد تكون ليلة ثلاث وعشرين كما جاء في رواية عبد الله بن أنيس رضي الله عنه (18).وإنما أخفى الله تعالى (هذه الليلة لوجوه):أحدها: أنه تعالى أخفاها، كما أخفى سائر الأشياء، فإنه أخفى رضاه في الطاعات، حتى يرغبوا في الكل، وأخفى غضبه في المعاصي ليحترزوا عن الكل، وأخفى وليه فيما بين الناس حتى يعظموا الكل، وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في كل الدعوات، وأخفى الاسم الأعظم ليعظموا كل الأسماء، وأخفى في الصلاة الوسطى ليحافظوا على الكل، وأخفى قبول التوبة ليواظب المكلف على جميع أقسام التوبة، وأخفى وقت الموت ليخاف المكلف، فكذا أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان.وثانيها: كأنه تعالى يقول: لو عينت ليلة القدر، وأنا عالم بتجاسركم على المعصية، فربما دعتك الشهوة في تلك الليلة إلى المعصية، فوقعت في الذنب، فكانت معصيتك مع علمك أشد من معصيتك لا مع علمك، فلهذا السبب أخفيتها عليك.. فكأنه تعالى يقول: إذا علمت ليلة القدر، فإن أطعت فيها اكتسبت ثواب ألف شهر، وإن عصيت فيها اكتسبت عقاب ألف شهر، ودفع العقاب أولى من جلب الثواب.وثالثها: أني أخفيت هذه الليلة حتى يجتهد المكلف في طلبها، فيكتسب ثواب الاجتهاد.ورابعها: أن العبد إذا لم يتيقن ليلة القدر، فإنه يجتهد في الطاعة في جميع ليالي رمضان، على رجاء أنه ربما كانت هذه الليلة هي ليلة القدر، فيباهي الله تعالى بهم ملائكته، ويقول: كنتم تقولون فيهم يفسدون ويسفكون الدماء، فهذا جده واجتهاده في الليلة المظنونة، فكيف لو جعلتها معلومة له، فحينئذ يظهر سر قوله: إني أعلم ما لا تعلمون) (19).فينبغي للمؤمن أن يجتهد في جميع أيام وليالي هذه العشر طلبًا لليلة القدر، اقتداء بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم.(1) رواه ابن ماجه في السنن (1644)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2247).(2) رواه أحمد في المسند (10734)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5473).(3) رواه البخاري في الصحيح (1901)، ومسلم في الصحيح (760).(4) رواه الترمذي في السنن (682)، وابن ماجه في السنن (1642)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (759).(5) رواه البخاري في الصحيح (6607).(6) الموسوعة الفقهية الكويتية (30/‏116).(7) رواه البخاري في الصحيح (2020)، ومسلم في الصحيح (1169).(8) رواه البخاري في الصحيح (2015)، ومسلم في الصحيح (1165).(9) رواه البخاري في الصحيح (2017).(10) فتح الباري (4/‏266) لابن حجر.(11) رواه أحمد في المسند (4808)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2920).(12) رواه أحمد في المسند (2149)، وقال ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف (ص 199): (إسناده على شرط البخاري).(13) رواه أبو داود في السنن (1386)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5474). (14) رواه الترمذي في السنن (806) وقال: (حديث حسن صحيح)، وأبو داود في السنن (1275)، والنسائي في السنن (1605)، وابن ماجه (1372) في السنن، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1615).(15) رواه مسلم في الصحيح (762).(16) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2/‏250) بإسناد حسن.(17) رواه البخاري في الصحيح (2018)، ومسلم في الصحيح (1167).(18) رواه مسلم في الصحيح (1168).(19) مفاتيح الغيب (32/‏229-230) للفخر الرازي.

مشاركة :