تكثر مناسباتنا هذه الأيام.. وتقل أفراحنا.. تقام المناسبة ولا تكاد تجد أحدا يفرح من القلب..خاصة أصحابها..هذا إن لم تكن مناسبة للسخط أو الغضب أو المشكلات التي تنشأ من كثرة التفاصيلوالشيطان دوما يكمن في التفاصيل..! وكأن العلاقة أصبحت عكسية بين احتفالاتنا وبين أفراحنا.. أصبحت هذه المناسبات هاجسا لنا..بكثرة متطلباتها وتعدد لوازمها..وإرهاقها ميزانية الجميع بلا استثناء..بدءا بأصحاب المناسبة ذاتها ومرورا بكل من حضر.. فقدنا الفرح عندما طغت الشكليات على حفلاتنا..وجنحت بعيدا عن البساطة التي يكمن فيها جوهر السعادة.. وقد دعونا فيها ليس الأقرباء الأصدقاء والمحبين ..بل كل من نعرف ومن لا نعرف..لنريهم مدى كرمنا ومدى قدرتنا على التفنن ومنافسة الآخرين وإلى أي حد نحن نجاري الموضة ونصنع المختلف..وأننا لا نقل بحال من الأحوال عن غيرنا.. أصبح ذوو الدخل المحدود ينافسون الأغنياء في القدرة على البذخ والوصول إلى أقصى مداه..وكل ذلك ليس من وفرة بل من قلة ، بدينٍ أو قرضٍ وأي وسيلة تأتي بالمال مؤقتا وتبقي الدين أبدا.. ولعل أكبر مناسبة وأكثر مناسبة تتكرر في مجتمعنا فصليا وسنويا هي حفلات عقد القران والزواج.. تنتفض العروس بمجرد خطبتها ليكون السوق رفيقها وليكون الشراء والاقتناء هو همها الأكبر وهاجسها ليل نهار..بل إن بعض العرائس تشتري في فترة استعداداها للزواج كمية تعادل كل ما اشترت طوال حياتها وكأن نجاح دخولها إلى القفص الذهبي مرهون بكمية ونوعية ما ابتاعته من ملابس وعطور وكمالياتوبمدى تفننها في العناية بجمالها الطبيعي والمصطنع.. ويغدو كل اهتمامها قريبا من الجسد بعيدا عن الروح والفكر.. وأغلب المقبلات على الزواج لا تفكر الواحدة منهن أن تلتحق بدورة تثقيفية حول الحياة الزوجية..أو عن ماهية هذا المخلوق المسمى ( بالرجل ) والذي ستقضي عمرها معه ، والذي زاد الفصل بين الجنسين في مجتمعنا من غرابته وبعده عنها..أو حتى عن تربية الأطفال الذين لا نفكر في تربيتهم إلا بعد أن يكبروا..وتكثر مشكلاتهم.. تركض العروس حتى ليلة زفافها ..وتقف على المنصة – غالبا- بعينين محمرتين من السهر ومن زخم الماكياج الذي دخل إلى مآقيها..وبوجه شاحب من الإرهاق الذي لم تخفه كثافة طبقات الطلاء والألوان على محياها ، وبابتسامة مغتصبة ، للجموع الغفيرة التي أتت لتهنيء وتشاهد (ملكة الحفل ) في أبهى زينتها ، ولا يعلمون كم تكبدت الملكة من مشاق وعناء حتى يكون لها هذه ( الطلة ) الخرافية التي تشبه غيرها..! ويركض أهل العريس ليلبوا متطلبات مناسبتهم العظيمة..وليظهروا أمام أقاربهم وأصهارهم بأفضل ما يمكن.. وليدققوا في التفاصيل ويجلبوا ما لم يجلب قبل ذلك وليبحثوا عن التميز والتفرد بمزيد من الإنفاق ..ولتصل تكلفة بناء عش الزوجية وجمع رأسين ( اثنين ) فقط بالحلال ، إلى مئات الألوف..ثم وغالبا لتكون دينا على أهل العريس أو على العريس نفسه سنوات بعد ذلك.. يرحب بك أهل المناسبة بترحيب بارد ، وابتسامة آلية ، ويحضرون احتفالهم بملامح متعبة ، وفكر مشتت غائب عن الاستمتاع بالحدث..وقلق متواصل طوال الليلة حتى تنقضي.(على خير)..ثم ينامون أياما أو حتى يمرض بعضهم من شدة الإرهاق والتعب. أما الأضياف فيأكلون ويشربون ويطربون ثم يخرجون إلى بيوتهم ليناموا ، ويستيقظوا في اليوم التالي ليباشروا شؤون حياتهم وليمسح من ذاكرتهم خيالات الليلة الفائتة ، التي لم يعلموا أن أقواما كثر ركضوا أشهرا وأفنوا أوقاتهم أياما طوال وأنفقوا من ألوفا من الأموال ..وربما تصدعت كثير من العلاقات أثناء ذلك..كل ذلك لينجزوا تلك المناسبةالتي لم تترك بصمة في ذاكرة أحد.. ولم يبق أثرها في ذهن أحدخاصة من ليسوا من أهلها ، والذين هم من توجه لهم الاهتمام ليفرحوا نيابة عن أصحاب الفرح الأصليين وليسعدوا نيابة عن المعنين بالسعادة..! وتبقى البصمة الوحيدة لأي مناسبة لدينا ، هي بصمة حمل الهموم في تدبير هذه المناسبة..من لدن كل الأطراف المعنية..وكأنها مناسبة للهم لا للفرححتى إذا ما انقضت تنفس الجميع الصعداء.. أخيرا : عندما نخرج من دائرة التقليد ، ونبتعد عن ما يسمى بضغط المجتمع وكلام الناس ، سنعرف كيف نفرح بعمق وكيف نحيا بتفرد ، وكيف نحتفل بسعادة..وسنجد ألف طريق يوصلنا للفرح دون الطرق المضنية السرابية التي سلكناها إن السعادة في البساطة..والسير مع جواهر الأشياء لا مع مظاهرهاوإن الفرح الحق هو في اجتماعنا مع من نحب في الوقت الذي نحب بالكيفية التي نحب.. تم رابط الخبر بصحيفة الوئام: قليل من الفرح كثير من الألم
مشاركة :