هل تنتصر تونس في المعركة ضد الفساد؟

  • 6/15/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

د. محمد عز العربتعتبر مواجهة الحكومة التونسية لملف الفساد أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها، خلال المرحلة الحالية، لا سيما أنه يرتبط بأبعاد أخرى مثل محاربة مافيا رجال الأعمال والمهربين المحسوبين على نظام ابن علي وتوظيف الأموال المستعادة في مشروعات اقتصادية واجتماعية عبر صندوق التنمية، بحيث تخفف من الأعباء الملقاة على المواطنين وتحسين الخدمات العامة وبعث رسائل لدى قطاعات من الرأي العام التونسي بأن البلاد ستتجاوز تعقيدات «المتاهة الانتقالية» بعد حماية الأمن العام ومكافحة الفساد.برز إصرار الحكومة التونسية الحالية على مواجهة الفساد في ديسمبر/كانون الأول 2016 حينما طرحت الميثاق الوطني لتفعيل الاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد (2016-2020)، وتزايد بمرور الوقت بعد أن احتلت تونس المرتبة السابعة عربياً وال75 عالمياً وفقاً لمؤشر مدركات الفساد للعام 2016. كما أكد الرئيس الباجي قائد السبسي خلال لقائه بالشاهد بقصر الرئاسة في قرطاج «وجوب المضي قدماً في الحرب على الفساد وعلى كل ما من شأنه أن يهدد كيان الدولة ويمس مناعة اقتصادها وأمنها القومي». وقد شدد السبسي على «ضرورة حشد كل الإمكانيات القانونية والمادية لذلك». وثمة جملة من المؤشرات التي تعبر عن توجه حكومة يوسف الشاهد لمحاربة الفساد في تونس، على النحو التالي:* صدور تصريحات رسمية تعبر عن تواصل «حملات» مواجهة الفاسدين، حيث أشار رئيس الوزراء التونسي في مقابلة مع صحيفة «الصباح» المحلية بتاريخ 4 يونيو/حزيران الجاري إلى أن «الحرب على الفساد التي أطلقها لن تتوقف وستستمر، ولن تكون انتقائية وقد تشمل آخرين في الفترة المقبلة». وأضاف «أنه في حالة الطوارئ تستعمل الدولة كل ما لديها من أدوات وتكشر عن أنيابها فإما الفساد أو الدولة»، على نحو يشير إلى إدراك الحكومة بخطر الفساد على البناء المؤسسي للدولة التونسية بل كان أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع ثورة الياسمين منذ سبع سنوات.* اعتقال الأجهزة الأمنية والرقابية التونسية عددا من كبار رجال الأعمال، الذين وجهت لهم تهم بالفساد، وتم مصادرة أملاكهم العقارية وحساباتهم البنكية، حيث أثبتت التحقيقات وجود علاقات كسب غير مشروع لبعض رجال الأعمال المرتبطين بعائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي (منجي بن رباح وشفيق الجراية وياسين الشنوفي ونجيب بن إسماعيل وعلي القريوي وهلال بن مسعود بشر ومنذر جنيح وكمال بن غلام فرج) على نحو يمثل تحولاً في النهج الحكومي تجاه التعامل مع هذا الملف المضغوط، لدرجة أنه تم تسيير مظاهرة داعمة لرئيس الوزراء الشاهد، وهو ما يعد نادر الحدوث منذ سنوات ما بعد الثورة. *توظيف الحكومة التونسية حوالي 500 قاض جديد بما يمثل 20 بالمئة من إجمالي عدد القضاة، بحيث يساعد الجهاز القضائي لمحاربة آفة الفساد المتفشية بشكل جرثومي، وهو ما تعبر عنه تصريحات وزير العدل التونسي غازي الجريبي لوسائل إعلامية مختلفة بأن الفساد يهدد بنسف الانتقال الديمقراطي.* بدء إجراء إصلاحات هيكلية ذات أبعاد «قطاعية». فعلى سبيل المثال، ثمة إصلاحات لدعم الشفافية في قطاع الجمارك عبر فرض تعميم منظومة إلكترونية والتخلي بشكل نهائي عن إعداد الفواتير. وهنا تجدر الإشارة إلى أن حكومة الشاهد تواجه تحدي مكافحة الفساد في الجمارك. * دعوة محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب التونسي أعضاءه (217 نائبا) في 1 يونيو الجاري إلى تنفيذ إجراءات التصريح بمكاسبهم وممتلكاتهم لدى دائرة المحاسبات (التابعة لوزارة العدل)، وهو ما يعبر عن الانصياع لأحكام الفصل «11» من الدستور التي تنص على أنه «كل من يتولى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أو عضويتها أو عضوية مجلس نواب الشعب أو عضوية الهيئات الدستورية المستقلة أو أي وظيفة عليا، أن يصرح بمكاسبه وفق ما ينص عليه القانون».* بدء مجلس نواب الشعب التونسي استعجال النظر في مشاريع القوانين المهمة، المتعلقة بمجال مكافحة الفساد التي تناقشها في المرحلة الحالية اللجان البرلمانية. ويعد من أبرز المشاريع المستعجلة، قانون يتعلق بهيئة الحوكمة ومكافحة الفساد، وآخر مرتبط بالفساد ومكافحة الثراء الفاحش.* مطالبة رئيس الهيئة الدستورية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب رئيس الحكومة عدم التراجع عن حملته لحصار الفاسدين والمهربين، كما دعا التونسيين إلى أن لا يتركوا الشاهد «وحده في هذه الحرب».دواعي الحملة:هناك تفسيرات عدة لتنامي التوجه الحكومي لمحاربة الفساد، بشكليه الكبير والصغير، داخل تونس، لما يلي:* تزايد حدة الأزمة الاقتصادية، التي أدت إلى تراجع معدل النمو بنسبة 1 في المئة. ومن ثم يراهن رئيس الحكومة وبقية الوزراء على مكافحة الفساد لإنعاش «الدورة الدموية» للنمو واستعادة ثقة المستثمرين.* مواجهة حالة إحباط الرأي العام، إذ تزامنت حملة مواجهة رؤوس الفساد ومافيا المهربين مع تنامي الحراك الاجتماعي بمناطق جنوب تونس، على نحو تسبب في إيقاف إنتاج البترول والفوسفات داخل منشآت تديرها شركات أجنبية. وتبعاً لذلك، فإن حملة محاربة الفساد تهدف لامتصاص الغضب الاجتماعي.* تحسين الخدمات الحكومية العامة، لا سيما بعد أن تردت الخدمات في المستشفيات العامة في تونس، على نحو ما عكسته طوابير الانتظار لساعات طويلة أمام تلك المستشفيات وتعطل التجهيزات الطبية الضرورية أو عدم توافرها من الأساس، فضلا عن عدم المساواة الصحية سواء في حصول التونسيين على الخدمات الصحية أو في التوزيع الجغرافي للمستشفيات بين المناطق الساحلية المتطورة والداخلية المهمشة، وهو ما يرجعه البعض إلى الفساد في المنظومة الصحية العامة.عقبات محتملة:وعلى الرغم من الدور الذي تقوم به حكومة يوسف الشاهد في مواجهة ملف الفساد، إلا أن هناك تحديات، ينبغي أخذها في الاعتبار، وهي:* ظرفية الحملة الحكومية إذ يتخوف البعض من رموز المعارضة وقوى المجتمع المدني من ارتباط تلك الحملة بسياق زمني معين، يؤدي تجاوز الحكومة له إلى عدم تطرق الحكومة لمتهمين أو مشتبه بهم في قضايا فساد بحيث تكون الحملة الحالية -على حد تعبير يوسف بلقاسم مسؤول منظمة «أنا يقظ» الفرع التونسي لمنظمة الشفافية الدولية- مجرد حلم سرعان ما ينتهي أو محاولة لذر الرماد في العيون أو لتهدئة الاحتجاجات في تطاوين أو مناطق أخرى.* مقاومة مؤسسات الدولة العميقة، إن جاز التعبير، لا سيما في ظل تقارير إعلامية غير رسمية تونسية تشير إلى أن الفساد طال كل مؤسسات الدولة بل السيادية منها، على نحو يهدد أمن الدولة، على نحو يجعل معركة مواجهة الفساد صعبة ولكنها ضرورية.* تنامي شبكات الاقتصاد الموازي، وهو ما يفسر امتداد الحملة لبارونات التهريب وخاصة في محافظتي المهدية والقصرين، على الحدود التونسية مع ليبيا والجزائر بحيث تم مراكمة ثروات هائلة، ليس من السهل لدى حائزيها التنازل عنها.حملة ممتدة:خلاصة القول أن تواصل معركة محاربة الفساد في تونس تظل أحد المحددات الرئيسية لقياس شعبية حكومة يوسف الشاهد منذ استلام مهامها في أغسطس/آب 2016 بعد سنوات شهدت تصاعد الضغوط المجتمعية ضد الفساد الذي ينخر في عظام مؤسسات الدولة، وخاصة القضاء والأمن والبرلمان ووسائل إعلام محلية، وسوف تكشف المرحلة المقبلة مدى القدرة والاستمرارية على مواجهة التحديات السالف ذكرها، لا سيما أن الحكومات التونسية المتعاقبة لم يكن لديها الإرادة السياسية لمكافحة الفساد.*مدير تحرير التقرير الاستراتيجي العربي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

مشاركة :