بدأت انعكاسات الأزمة الخليجية تظهر على السطح؛ فقد نشر وكالة الأميركية تقريراً كشف أن هذه الدول لم تعد رهاناً مضموماً للمستثمرين في أسواق الشرق الأوسط النامية. فبعد أن قطعت السعودية وحلفاؤها العلاقات الدبلوماسية ووسائل النقل البرية والجوية مع قطر، تراجعت مكانة دول الخليج كاقتصادات ثرية في مجال تجارة السلع وذات تصنيفات ائتمانية مرتفعة. وارتفع الفارق السعري المدفوع من قِبل الحكومات بالشرق الأوسط للاقتراض في أسواق السندات بمعدل 7 نقاط أساس منذ ذلك الحين، بالمقارنة مع انخفاض بمقدار 3 نقاط أساس في دَين الأسواق الناشئة، وذلك وفقاً لمؤشرات شركة جي بي مورغان تشيس وشركاه الأميركية. المحلل في شركة مانولايف لإدارة الأصول والمقيم بالعاصمة البريطانية لندن ريتشارد سيغال، قال: "تدهورت رؤيتي إلى حدٍ كبير بالنسبة للمنطقة ككل؛ لأنَّه في جزءٍ من العالم يشهد الكثير من التوترات بين بعض الدول وبعضها الآخر أو بداخلها (يعني الخليج)، كان من غير المرجح بشكلٍ عام أن يحدث خلافٌ دبلوماسي حاد كهذا بين السعودية وقطر". وأضاف ريتشارد أنَّه بخلاف قطر، فإن الدول الأضعف مثل البحرين وعُمان تُعتبر أكثر عُرضة للخطر. وتضيف الوكالة الأميركية: "وفي ظل الأزمة، ارتفعت تكلفة الحماية من أي عجز سيادي لمدة 5 سنوات، وذلك ليس فقط بالنسبة لقطر، ولكن أيضاً بالنسبة لمصر، والسعودية، ودبي، وأبوظبي، والبحرين". ورصدت وكالة بلومبرغ تعليقات لاقتصاديين كبار حول كيفية تأثير الصراع الدائر في المنطقة على آراء المستثمرين. ريتشارد سيغال من شركة مانولايف، التي تشرف على أصولٍ بقيمة 358 مليار دولار أميركي، قال: "بالنسبة لأبوظبي، ودبي، والسعودية، أرى زيادة طفيفة في الفوارق السعرية كنتيجة لهذه التوترات، ربما تصل إلى 5 نقاط أساس؛ لأنَّهم لن يكونوا مضطرين إلى تقديم أي تنازلات، ومن المرجح أن تبقى هذه المناطق الثلاث متحدةً". وأضاف: "بالنسبة للديون السيادية القطرية، فقد أصبح من الضروري الآن إعادة التسعير بقيمة 30-35 نقطة أساس لمراعاة المخاطر الإضافية. أما بالنسبة للديون السيادية الفرعية والمقترضين من القطاع الخاص، فيمكن أن تبلغ الزيادة في الفوارق السعرية 75 إلى 125 نقطة أساس". فيما توقع سيغال أن تنتهي هذه الاختلافات في الرأي وتنخفض الفوارق السعرية مرة أخرى، ولكن قد يستغرق ذلك 12 إلى 14 شهراً، على حد قوله. أما مايكل بوليغر، المقيم بمدينة زيوريخ السويسرية ورئيس قسم تخصيص أصول الأسواق الناشئة في مصرف يو بي إس لإدارة الثروات، والذي يشرف على أصول عملاء بقيمة 2.1 تريليون دولار، فيرى أن الخلاف هذه المرة أكثر حدة من المرات السابقة، متوقعاً أن تنتهي هذه الأزمة من خلال المفاوضات. وقال بوليغر: "ربما يكون أي تعديل في الفوارق السعرية إيجابياً من وجهة نظر دولية، بمعنى أنَّها ستجذب اهتماماً متزايداً؛ إذ بدأ توقعنا لتهدئة التوترات تدريجياً في أن يصبح واضحاً". وأضاف: "كانت لدينا رؤية مطمئنة قبل الأزمة، وقررنا الحفاظ على حالة الصعود بعد عمليات البيع. ونثق بقيمة عدة شركات، وليس ذلك فقط بسبب أسسها الائتمانية القوية وقدرتها على الصمود فترةً من الضغط". أما سيمون كويجانو إيفانز، المحلل الاستراتيجي للأسواق الناشئة بشركة ليغال آند جنرال لإدارة الاستثمارات في لندن، والتي تشرف على أصولٍ بقيمة نحو 1.2 تريليون دولار، فيرى أن الانخفاض في أسعار النفط قبل الأزمة الحالية أثر نوعاً ما على الطريقة التي رأى بها المستثمرون السندات في المنطقة كملاذٍ آمن. وقال إيفانز: "يثير الضجيج السياسي مثل الذي رأيناه خلال الأسبوع الماضي، الكثير من التساؤلات فيما يخص ما تريد دول مجلس التعاون الخليجي أن تفعله بصفةٍ عامة، وهذا يشمل تثبيت سعر صرف العملة، وهو عامل أساسي في تحديد حجم احتياطي النقد الأجنبي الذي تملكه الدولة لتغطية أي حساب جارٍ وعجز الموازنة". وأضاف: "تُتداول الفوارق السعرية لمقايضة الائتمان الافتراضي لدول الخليج بصفة عامة فوق مستويات القيمة العادلة المفروضة التي تنطوي عليها التصنيفات؛ وهذا قد يعني أنَّ السوق ستشهد انخفاضاً في الأسعار مستقبلاً". واعتبر إيفانز أن قطر والإمارات في موقفٍ جيد هنا، بينما تأتي البحرين وعمان في أسفل نهاية الترتيب، وتظلان معتمدتين على أي دعم تحصلان عليه من دول مجلس التعاون الخليجي، على حد قوله. باتريك كوفمان، الذي يساعد في إدارة أصول بقيمة 11 مليار دولار في شركة سوليتير أكويلا بمدينة زيوريخ، اعتبر أن هذه المنطقة مُعرَّضة دائماً للتوترات مثلما توضح هذه الأزمة، لكنه أضاف: "من ناحيةٍ أخرى، كانت هذه السندات تُعتبر آمنة في الأساس بفضل الذهب الأسود (النفط) الذي تمتلكه هذه الدول. ومثلما كان الحال مع فنزويلا، يمكننا رؤية أنَّ هذا ضمانٌ رائع بالنسبة للمستثمرين أصحاب الدخل الثابت". وقال كوفمان: "ومع وقوع مثل هذه الأحداث، يكون هناك دائماً مستثمرون سعداء يسعون للحصول على ربحٍ أكبر بمعدلاتٍ مرتفعة نسبياً، ويفرون هاربين عندما يبدأ الانهيار. وسيضغط هؤلاء المستثمرون على الفوارق السعرية إلى أن يعتبرها المستثمرون المعنيون بالقيمة جذابةً بما يكفي للمجازفة". وأضاف: "الاستثمار في الأسواق الناشئة هو استثمار في المخاطر السياسية، وهي ما تحتاج إلى أن تضعه في اعتبارك، وغالباً يكلفك هذا الاستثمار الكثير".
مشاركة :