مصر أمام تحديات خفض التضخم الى 10 في المئة

  • 6/16/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كان أهم التداعيات السلبية لتعويم سعر صرف الجنيه المصري، بناء لنصيحة صندوق النقد الدولي، هو تفاقم التضخم الذي يأكل من صحن المصريين، وقد سجل رقماً قياسياً يزيد عن 31 في المئة وأحدث قلقاً لدى خبراء الصندوق، الذين وصفوه بأنه خطير جداً، مطالبين بضرورة خفضه الى 10 في المئة، فإن أهم النتائج الإيجابية تكمن في الثقة المحلية والإقليمية والدولية التي حصدتها مصر، واستطاعت بفضلها جمع نحو 45 بليون دولار في أقل من ستة أشهر منذ بدء التعويم في الثالث من تشرين الأول (أكتوبر) 2016، ما أكد قدرة القطاع المصرفي على تلبية طلبات الزبائن كافة، وتغطية حاجات الدولة من النقد الأجنبي، وسداد الالتزامات المتوجبة على بعض المديونيات، وكذلك تمويل عمليات التجارة الخارجية بنحو 23 بليون دولار، فضلاً عن المساهمة في رفع مستوى الاحتياط النقدي لدى البنك المركزي، والذي بلغ نحو 31 بليون دولار نهاية أيار (مايو) الماضي، وهو رقم قياسي منذ الاضطرابات السياسية والأمنية التي أطاحت الرئيس حسني مبارك، وتسببت بتراجع الاحتياط الى 13,5 بليون دولار. لكن على رغم هذا التحسن، فإن الرقم لا يزال دون ما كان عليه عام 2011 ( قبل الثورة) والبالغ نحو 36 بليون دولار. هل يعني ذلك أن مصر قد نجحت في تعويم سعر الجنيه، وهي تودع أزمات النقد الأجنبي التي عانت منها طوال السنوات الماضية حيث فشلت في محاولات التعويم السابقة؟ أشاد صندوق النقد الدولي، بعد إجراء بعثته في منتصف أيار الماضي مراجعتها الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، بالنتائج الإيجابية التي حققها البرنامج، ووصف تنفيذ سلسلة الإجراءات الاقتصادية بأنها سليمة، لا سيما ما نتج منها من تطورات إيجابية، منها انتهاء الأزمات المتتالية الناتجة من عدم توافر العملة الأجنبية، وبدء تعافي النشاط في سوق «الأنتربنك الدولارية»، وكذلك استعادة ثقة المستثمرين المحليين والعرب والأجانب، وقد انعكس ذلك إيجاباً في الإقبال الكبير على الاكتتاب بإصدارات سندات الخزينة محلياً ودولياً، وفي جذب الاستثمارات الخارجية، وارتفاع حجم تحويلات المصريين العاملين في الخارج، مستفيدين من الفارق الكبير لسعر صرف الجنيه أمام الدولار. لذلك، وافق الصندوق على صرف الشريحة الثانية وقيمتها 1,25 بليون دولار، قبل نهاية الشهر الجاري، بحيث تكون مصر قد تسلمت نحو أربعة بلايين دولار، مع احتساب قيمة الشريحة الأولى التي سبق لها أن تسلمتها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والبالغة 2,75 بليون دولار، من أصل القرض الإجمالي البالغة قيمته 12 بليون دولار، وعلى مدى ثلاث سنوات. ومع إطلاق حرية سعر الصرف للعملة المصرية، برز عاملان رئيسيان لجذب الاستثمارات الخارجية، الأول خفض سعر الجنيه أمام الدولار، والذي وصل الى أكثر من 18 جنيهاً، والثاني ارتفاع الفوائد وقد حددها البنك المركزي بين 16,75 و17,75 في المئة على الإيداع والإقراض، ما مكن مصر من جذب استثمارات أجنبية بـ3,1 بليون دولار في أدوات الدَين المحلية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، ليصل رصيد الأذون والسندات المحلية الى أكثر من 4 بلايين دولار في آذار (مارس) الماضي مقارنة بـ900 مليون دولار قبل تعويم الجنيه. ويشير تقرير للبنك المركزي المصري الى أن الاستثمار الأجنبي زاد في أذون الخزانة ليحقق صافي شراء بقيمة 686,7 مليون دولار في النصف الأول من السنة المالية 2016 - 2017، مقابل صافي مبيعات بـ38,3 مليون دولار في السنة المالية السابقة. لكن مع أخذ أهمية جذب الاستثمار في الديون المصرية بالاعتبار، فإن ذلك من شأنه أن يرتب أعباء إضافية على موازنة الدولة التي تستنزف الفوائد نحو 32 في المئة منها، مقابل 28 في المئة لسياسة الدعم، و20 في المئة للأجور، و11 في المئة فقط للاستثمارات، و4 في المئة لشراء السلع والخدمات، و5 في المئة لنفقات أخرى. وعلى رغم أن السيطرة على ارتفاع الدَين العام الحكومي هي من ضمن أبرز أهداف برنامج الإصلاح الذى اتفقت عليه مصر مع صندوق النقد، فإن حكومة القاهرة تتوقع ارتفاع هذا الدَين في السنة المالية 2017 - 2018، والتي تبدأ في تموز (يوليو) المقبل بنسبة 13,1 في المئة ليصل الى 3,641 تريليون جنيه (199 بليون دولار) ، مقابل 3,220 تريليون جنيه. وتصل نسبة الدَين من الناتج المحلي الإجمالي الى 93,8 في المئة للسنة المالية التي تنتهي هذا الشهر، وتستهدف الحكومة خفضها الى 89,1 في المئة في السنة المقبلة، لكن هل تستطيع ذلك في وقت تتوقع عجزاً كلياً في الموازنة يقترب من 10 في المئة من الناتج المحلي عند إدراج فوائد الديون ضمن مصاريفها؟ لا شك في أن الدّين المتفاقم يعرقل برنامج الحكومة ويحد من قدرتها على تحقيق التنمية من مواردها الأساسية، حتى أن سلاح رفع الفائدة لم يعد مجدياً لمحاربة التضخم الناتج من ارتفاع التكاليف في الأساس، بل إنه يؤثر سلباً في عجز الموازنة بسبب زيادة كلفة خدمة الدَين العام، على رغم أن التضخم سجل رقماً قياسياً هو الأعلى منذ 30 سنة، في ظاهرة خطيرة ومؤلمة، لكنها نتيجة طبيعية لقرارات الإصلاح الاقتصادي التي نصح بها صندوق النقد.

مشاركة :