صحيح أنّ الباحثين عن الأصوات الذهبية فى زمنٍ مضى، استمر سعيهُم من بلدة إلى أخرى، بحثًا عن الأصوات التى تنتظر مُكتشفيها، فى عام 1937، اكتشف مفتش بيطري بإدارة تفتيش «بهتيم»، صوتًا جديدًا يُرتل القرآن فى نغم جميل يُشبه ترتيل الشيخ محمد رفعت. ظلّ المفتش يبحث عن الصوت، إلى أن وجد القارئ الشيخ كامل يوسف البهتيمي، الذى كان جالسًا بجانب والدتهُ، داخل مدينة «بهتيم»، وقت أن كانت قرية، يُرتل ويرتفع إلى السماء، فيما يطمئن السيّدة الحنون بأنه سيصبح قارئًا شهيرًا فى وقت من الأوقات، وبالفعل تبناه حتى تم تقديمه إلى الأستاذ محمد فتحى، الإذاعى المعروف، فى عام 1938، أى بعد اكتشافه بعام واحد فقط، وفقًا للكاتب الراحل، محمود السعدني، وما جاء من معلومات فى كتابه «ألحان السماء». وفى اليوم التالى، كان الشيخ كامل يذيع من محطة القاهرة، مقابل أجر قدرهُ 50 قرشًا عن كل إذاعة، وعندما قامت الحرب قفز أجره إلى 5 جنيهات ثم عشرة، وظلّ يرتفع حتى وصل إلى 15 جينها. وفى عام 1944، سافر الشيخ إلى فلسطين لإذاعة من محطة الشرق الأدنى، مقابل أجرة 500 جنيه فى شهر رمضان، وفى العام الذى يليه 1945، سافر إلى السودان ليقرأ فى النادى المصري بالخرطوم، طوال شهر رمضان، مقابل 500 جنيه أيضًا. وفى بدايات عام 1947، كان الشيخ كامل وصل إلى العالمية، فكان يُذيع من محطات لندن، وسوريا، ودلهي والشرق الأدنى، ولكن عندما أصبح قارئًا مشهورًا، اختلف الأمر، وأصبح أجره مقابل الدقيقة الواحدة، تحديدًا جنيه مصرى واحد مقابل كل دقيقة.الشيخ البكّاء – كامل يوسف البهتيمي – من سورة إبراهيم by Omar Ahmadien Stream الشيخ البكّاء – كامل يوسف البهتيمي – من سورة إبراهيم by Omar Ahmadien from desktop or your mobile device كان الشيخ كامل محبًا للشيخ محمد رفعت، حيثُ تسبّب فى فصله من المدرسة، لأنه كان يتغيّب كثيرًا عن حضور الدرس، فكان الشيخ يطوف طوال الليل حول السرادقات التى يقرأ فيها الشيخ رفعت، كان يبكى كلمّا سمع صوته. وفى لقاءٍ أجرى مع ابن الشيخ الراحل، قال: «كان والدي لا يتقاضى مليمًا واحدًا إلا أنه كان يقول لنا أنه يذهب للمسجد ليدرب صوته على تلاوة القرآن ويقلد الشيخان محمد سلامة ومحمد رفعت ليثبت لمن يستمع إليه أنه موهبة فنال التشجيع الكبير والاستحسان وكان ذلك مبعث الثقة في نفسه وكانت أمه تدعو له فيقول لها (سيأتي اليوم الذي يصبح فيه ابنك من مشاهير القراء في مصر). فكانت أمه تفرح بهذا الكلام كثيرا وتدعو له». كان الرئيس عبدالناصر يحبه حبًا شديدًا ويطلبه لرئاسة الجمهورية لإحياء معظم الحفلات التي تقام بمقر الرئاسة، وكان الناس يظنون أن اقتراب الشيخ البهتيمي من الرئيس عبدالناصر بغرض التقرب للسلطة أو سعيا وراء الشهرة. وفى عام 1969، توفي الشيخ كامل يوسف البهتيمي، القارئ الستيني، قبل أن يحقق أمنياته، بالرجوع إلى قريته الأم، مهد ولادتهُ، والاستقرار بها ووفاء الجميل لأهلها، وكان من أمنياته أيضًا أن يقرأ سورة الكهف، يوم الجمعة فى القدس الشريف، وأن يحصل على جميع تسجيلات الشيخ محمد رفعت.
مشاركة :