رغم أن الكثير من المحامين مارسوا نظم القصيد، والكثير من الشعراء درسوا القانون؛ فهناك خصومة مستمرة بين الطرفين. رأى الشاعر المهجري أسعد رستم محاميا وقد وقف شاخصا ويده بجيبه، فأثارت وقفته قريحة الشاعر، فقال فيه بيتين من أظرف ما قيل في المحامين: أخذ المحامي رسمه وبجيبه يده.. وذلك ليس من مبداه ولكان ذاك الرسم أصدق منظرا لو صُوّرت يده بجيب سواه! لأسعد رستم قصائد في غاية الظرف والطرف ما زال الناس يرددونها؛ كثيرا ما يغطي الصلع رؤوس أهل القضاء، فتعرف الشاعر بواحد منهم، فصاغ فيه قصيدة إخوانية بعنوان «الطاسة المبصبصة» لصديقنا في رأسه صحراء جفّت فلا عشب بها أو ماء وكأنها الميدان من بعد الوغى فني الجميع فما به أحياء تزداد ما مر الزمان مساحة وصديقنا من كبرها يستاء ولقد سمعناه يقول ودمعه يجري فيعمي مقلتيه بكاء كم من دوا للشعر قد جربته يوما فراح سدى وظل الداء يا حسرتي ذهب الشباب وكان لي فيه مآثر جمة غراء أما الحسان الفاتنات فليس لي مع صلعتي في وصلهن رجاء قلنا له: مهلا.. فلمَ هذا البكا؟! واسمع! ففي هذا الكلام عزاء أوليس للإنسان في إحرازها شرف.. ويملك مثلها العلماء؟! فأجاب: لا شرفا أريد ولا علا أفما لديكم غير ذاك دواء؟ قلنا: نعم، زبل يُرشّ فإنما بالزبل تحيا الروضة الغنّاء! وصادف الشاعر رجلا غنيا حديث العهد بالنعمة، من أمثال هؤلاء الذين أثروا في هذا الزمان بفضل كل هذا الفساد. وكان الرجل الثري قد اشترى حذاء ممتازا باهظ الكلفة. لم يتمالك أسعد رستم من أن يقول فيه: قال امرؤ لي فارحا متهللا انظر إلى هذا الحذاء انظر إلى إن الذي في الناس يلبس مثله أهل لأن يُدعى الوجيه الأمثلا فأجبته: نعم الحذاء، فإنه أهل لترفع فيه رأسك للعلا ديوان أسعد رستم حافل بمثل هذه الطرائف التي يحول فيها المأساة إلى طرفة، كما فعل بوباء الطاعون الذي اجتاح لبنان عام 1907، فقال: إن كان لا يجدي بك القانون فالحامض الفنيك والصابون يا أيها الطاعون إن بلادنا منظومة ومناخها موزون حتى جنابك جئت كي تقضي الشتا فيها.. فأنت لها إذن مديون أمن العدالة أن تقيم بأرضها ضيفا وتقتل أهلها يا «دون»؟!
مشاركة :