عندما كان صديقي الشاعر زاهد محمد زهدي، رحمه الله، عاطلا حائرا مشردا، ولاجئا إلى المملكة العربية السعودية التي استضافت الكثير من المثقفين العراقيين المشردين، استضافه العميد حمزة حجي وأنزله بيته لأيام طويلة حتى عثر له على وظيفة كمدير لشركة «هطل» في الرياض. وعندما أعد نفسه للرحيل، أقام له العميد الفاضل حفلا وداعيا كريما دعا إليه الكثيرين من الأدباء والشعراء، فلم يتمالك صديقي أبو عمار غير أن ينطلق في الحفل كعادته بقصيدة قال فيها، وهو يداعب زميله ومضيفه الكريم: أَزِف الرحيلُ وكم مقيمٍ قد رَحَلْ ولكلِّ شيءٍ موعدٌ وله أجَلْ ألقيتُ ظِلِّي مرّتين عليكُمُ عبثاً وما أحدٌ تشكّى مِن ثِقَلْ وعجِبتُ كيف تحمَّلَتْ أعصابُكُمْ عَبَثِي ولي دَمٌّ ثَقِيلٌ ما حَصَلْ لا تُدْخِلُوا الشعراءَ بَابَ بُيُوتِكُمْ أو يَدْخُلُوا فَلْتُخْرِجُوهم في عَجَلْ وإذا سألتم كيف يُطْرَدُ شاعرٌ في البيت طاب له المقام وما العَمَلْ فأنا أَدلُّكُمُ طريقاً واضحاً تتجنَّبون به عتاباً أو خَجَلْ أعطُوه شُغلاً في الرياض يَصُدُّهُ عنكمْ ويشغلُه، وهذا ما حَصَلْ فإذا «أبو عمار» حمداً للذي أنجاكُمُ يغدو مديراً في «هَطَلْ» ضج الضيوف بالضحك والأنس، يستطيبون هذه الصراحة النادرة في المقال. ولكن المضيف الصبور العميد حمزة لم يتمالك غير أن يرد عليه بأبيات على نفس الوزن والقافية، وما ألطف ما أبدع وهو يرتجل ويضمن هذا الجناس الظريف في الأسماء، على عادة الشعراء: شَرَّفْتَ كالبدر المنير إذا أَطَلْ ونزلْتَ سهلاً فامضِ فيه بلا وَجَلْ البيتُ بيتُكَ والكريمُ مكرَّمٌ ويحلّ ما بين الضلوع إذا وَصَلْ ما مَرَّ أسبوعٌ أتيتَ «رياضَنَا» فإذا السماءُ تجودُ غيثاً قد «هَطَلْ» ما لي أراك تقول ظِلِّي مثقلٌ لا ناقةٌ عُقِرَتْ لأجلِكَ أو جَمَلْ فتعالَ نقتسم الحياةَ سويةً خبزاً وكراثاً وفجلاً أو بَصَلْ ونقول شعراً كلّما ضاقت بنا الدُّ/ نْيَا ونبسمُ للحياة وللأمَلْ ونصوغ للغيد الحِسَانِ قصائداً فيها الحلاوةُ والبراءةُ والغَزَلْ ونعيش في دنيا القريض كأننا شُهُبٌ تحلِّق في عطارد أو زُحَلْ
مشاركة :