القاهرة: محمد حسن شعبان وضع الدبلوماسي المخضرم عمرو موسى، الذي ترأس لجنة كتابة الدستور (لجنة الخمسين)، قواعد جديدة للعبة السياسية في مصر أمس، بإعلانه استعداد تحالف يقوده خوض الانتخابات البرلمانية، في ظل قانون صدر أخيرا ومثل صدمة للأحزاب الرئيسة في البلاد، الأمر الذي من شأنه عرقلة إمكانية تحالف الأحزاب لإسقاط القانون. وفي أول رد فعل لحزب النور السلفي، الذي حصل على ثاني أكبر كتلة في آخر استحقاق برلماني قبل عامين، قال رئيس الحزب، الدكتور يونس مخيون، لـ«الشرق الأوسط» أمس إن «السيد عمرو موسى لا يتحدث إلا باسمه، وتحالفه إعلامي فقط». وقال موسى، في بيان صدر عن مكتبه أمس وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إنه «في ضوء صدور قانون الانتخابات، وأهمية الاستعداد للعمل طبقا له - بصرف النظر عن وجهات النظر السابق التعبير عنها بالنسبة للقانون المذكور - يصبح من المتعين تحقيقا للمصلحة العليا للبلاد في الأمن والاستقرار وإعادة البناء واستعادة الدور السياسي الخارجي النشط لمصر، أن يبدأ الاستعداد المتعلق بالاستحقاق الثالث فورا ومن منطلق إيجابي بإقامة تفاهم سياسي عام بين مختلف القوى السياسية والشخصيات ذات الثقل». وترفض الأحزاب قانون مجلس النواب (المسمى الجديد لمجلس الشعب) بسبب تقليصه نسبة المقاعد المخصصة للقوائم التي تفضل الأحزاب المنافسة عليها، بالإضافة للأخذ بنظام القوائم المطلقة (فوز القائمة التي تحصل على نسبة 50 في المائة زائد واحد). وأشار مخيون، وهو رئيس أكبر الأحزاب السلفية على الساحة، إلى أن حزبه لا يزال متمسكا بموقفه من رفض القانون الذي أصدره الرئيس السابق عدلي منصور الأسبوع الماضي، لافتا إلى أن صدور القانون على هذا النحو عكس إصرار على نقص احترام رأي الأحزاب التي أوضحت أكثر من مرة رفضها هذا القانون. وأضاف مخيون قائلا: «هذه ليست المرة الأولى التي لا يحترم فيها رأي الأحزاب، لقد رفضنا من قبل قانون التظاهر.. يبدو أن رأي الأحزاب يوضع في سلة المهملات»، لكن مخيون أوضح أيضا أن الحديث عن مقاطعة الانتخابات «لا يزال سابقا لأوانه». وأشار مخيون إلى أن حزبه سيحاول مع باقي الأحزاب الرافضة للقانون إقناع الرئيس (عبد الفتاح السيسي، الذي بدء ممارسة عمله أول من أمس) بأهمية وجود جو من التوافق، لتجنب تشكيل برلمان يهيمن عليه المال السياسي والعصبيات القبلية. وتابع: «نحن حزب مؤسسي، وعليه، سنعود إلى قواعدنا لمناقشة الأمر، وحتى هذه اللحظة كل الاحتمالات قائمة، بما في ذلك مقاطعة الانتخابات»، كما لم يستبعد مخيون أيضا وجود تحالف أو تنسيق انتخابي مع الأحزاب التي وصفها بـ«الوطنية». وقدم الدبلوماسي المخضرم موسى رؤيته للبرنامج الذي سيؤسس عليه تحالف انتخابي موسع، وتضمنت «التعهد بالإخلاص للدستور ومبادئه ونصوصه ومتابعة استكمال متطلباته بإصدار القوانين المكملة للدستور (..)، وذلك باعتبار الدستور إطارا للعمل الوطني من الآن فصاعدا، ووثيقة يستند إليها هذا التحالف». واشترط أن يكون التحالف المزمع بناؤه داعما لـ«الرئيس المنتخب في مسيرته الدستورية لإعادة بناء مصر ومؤسسات الدولة وتصحيح المسار، وضمان الإدارة الجيدة للحكم وتحقيق الأمن وبدء عملية التنمية الاقتصادية وتأكيد العدالة الاجتماعية وتحقيق أهداف الثورة». وأكد موسى في برنامجه على أن التحالف المقبل لا يتسع للحديث عن اندماجات حزبية، مشددا على أن الإطار العام للتحالف المقبل هو «التنسيق في صدد الانتخابات القادمة بتبادل التأييد والدعم في الترشيحات للمقاعد الفردية، والاتفاق على تشكيل القوائم الانتخابية التي نص عليها قانون الانتخاب». ويتيح الدستور سلطات واسعة للبرلمان، بما في ذلك تسمية رئيس مجلس الوزراء، لكن الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد خلال الأعوام الثلاثة الماضية وضعت الأحزاب أمام حقيقة ضعفها النسبي، بحسب سياسيين ومراقبين. وقال حنا جريس، نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي، لـ«الشرق الأوسط» أمس إنه «بات واضحا بعد التجربة، أن القوى المتصدرة للمشهد السياسي ليس لديها نخبة قادرة على التفاوض على شروط المستقبل. هذه النخبة لا تزال حبيسة مشكلات الماضي». ويرى جريس أن الأحزاب المدنية يجب عليها في هذه اللحظة الدقيقة من عمر البلاد الاستثمار في اللغة الجديدة التي عكسها خطاب الرئيس السيسي، والتي كشفت عن «رغبة إصلاحية، لكي لا نبالغ ونتحدث عن تغيير جذري». وأشار جريس إلى أنه على الأحزاب أن تستثمر هذه الروح الجديدة بموقف أكثر برغماتية يتيح لها تمثيلا في البرلمان، من أجل ما سماه «تحسين تكوينه»، ولعب دور معارضة مدنية حقيقية، من دون أن يستبعد انضمام حزبه إلى التحالف الذي يسعى موسى لتشكيله. وتأسس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني 2011)، وحصل على 25 مقعدا في برلمان 2012، الذي حل بحكم من المحكمة الدستورية العليا. ولعب الحزب دورا بارزا في أعقاب ثورة 30 يونيو (حزيران) التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين، وتقلد أعضاء به مناصب وزارية رفيعة في أول حكومة انتقالية عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي الصيف الماضي. ورغم تأكيد قادة أحزاب تحدثت معهم «الشرق الأوسط» على أن خريطة التحالفات لا تزال «غائمة ومحل بحث»، فإن مواقف الأحزاب من الانتخابات الرئاسية ترسم خريطة أولية للتنسيق في الانتخابات البرلمانية، حيث تتجه الأحزاب التي دعمت المرشح الرئاسي الخاسر حمدين صباحي، والتي ضمت حزب الدستور والعدل والكرامة والتحالف الشعبي الاشتراكي والتيار الشعبي ومصر الحرية، إلى تشكيل تحالف انتخابي يمثل المعارضة الرئيسة، في مقابل تحالف موسى الذي يقوده حزب المؤتمر والمصريين الأحرار والوفد والتجمع، وتكتل يقوده رئيس المخابرات السابق مراد موافي. ومن المرجح أن تسعى أحزاب المعارضة الرئيسة إلى استمالة حزب مصر القوية الذي يتزعمه القيادي الإخواني السابق عبد المنعم أبو الفتوح. وقال أحمد إمام المتحدث الرسمي باسم «مصر القوية» لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب لا يمانع في التنسيق مع القوى الوطنية، لافتا إلى أن موقفه حزبه من أي استحقاق هو المشاركة، «لكن في ضوء قانون الانتخابات الحالي لا يزال الأمر محل نظر». وبينما لا تزال الأحزاب المدنية والإسلامية التي دعمت ثورة «30 يونيو» تبحث سبل التغلب على الصعوبات التي يضعها أمامها قانون الانتخابات النيابية في صيغته الحالية، تتجه أنظار المراقبين لموقف جماعة الإخوان وحلفائها من الاستحقاق المقبل.
مشاركة :