رشيد بوجدرة.. هل يستحقُّ منّا كلّ هذا الرّجم؟!

  • 6/18/2017
  • 00:00
  • 31
  • 0
  • 0
news-picture

تُوضَع مؤلفّاتهُ التي تصلُ إلى أكثر من 20 كتاباً، بينَ روايةٍ وشعر، على الرّف ويُتناوَل جانبٌ واحدٌ من حياتِه في كلّ مقابلةٍ تُجرى معه، أَلا وهو الجانبُ الروحيّ المتعلّقُ بصلة العبدِ بربّه، كاتبٌ جزائريٌّ معروفٌ في الغرب، والمشرق العربيّ، يتكلّمُ بـ8 لغات، وتُدرّسُ رواياته في الجامعاتِ بقسمِ اللّغة الفرنسيّة والعربية، وتترجمُ رواياته إلى لغاتٍ عدّة، ما مِنْ قناةٍ جزائريةٍ استضافتْه أو جريدةٍ أجرَتْ حواراً معه إلاَّ وتناولتْ بالبندِ العريضِ إيمانَه مِنْ إلحاده، ولو فكّرتَ في أن تُجريَ بحثاً عنه في "جوجل" لوجدتَ العناوين كلّها تدور بين: "بوجدرة ملحد، أنا لستُ ملحداً، بوجدرة يعلنُ إسلامه، بوجدرة يعترفُ بإلحاده... إلخ "، حتّى غدا الشّارعُ الجزائري، بمثقفيه وعامته، والذي لم يكُنْ يسمعُ باسمهِ ولمْ يسبِقْ أَنْ قرأَ روايةً واحدةً له، أصبحَ يعرفُ الرجلَ بالمُلحد لا بالكاتب. صاحبُ: "ألف عامٍ وعامٍ من الحنين"، و"الحلزونِ العنيد"، و"ضربةُ جزاء"، و"التطليق"، و"التفكك"، و"الرّعن"، و"الجنازة"، و"الإنكار" وما سواها- استُضِيفَ في برنامجٍ على إحدى القنوات الجزائرية، برنامجٍ للكاميرا الخفيّة، أقلُّ ما يمكنُ أن يُوصَف به هو العارُ والخيبة. يجلسُ بوجدرة، العجوزُ المُنْهَك، وكأنّهُ على كرسيّ الاعتراف، مُحاطاً برجالٍ اعتقدوا أنّ نُصرةَ الإسلام تكونُ بإهانة البشر والاستهزاء بهم، يرتدونَ "بدلةً" رسميةً ولكنّهم يتعاملونَ مع الكاتبِ بأسلوبٍ داعشيّ قائمٍ على إرهابِهِ وإخافته، معتقدينَ أنّها الطريقةُ المُثْلى لإضحاكنا، متناسينَ أنّنا نحنُ الشعوب المغلوبة على أمرها، لا تُضحكنا الإهانات؛ بل تبكينا، وكالعادة، كما في كلّ لقاءٍ مع بوجدرة يُطرَح السّؤالُ نفسُه: "هل أنتَ ملحد؟ انطُقْ بالشّهادتيْن إذاً، وأثبتْ ذلك". ثمّ ما يلبثُ أنْ يرفعَ أحدُ المُذيعين الوَقِحين يديهِ ليدعوَ اللهَ لهُ بالهداية، مُدعياً البكاءَ في مشهدٍ تمثيليّ سخيف، فيما هوَ يضحكُ باستهزاء، ليخرجَ الكاتبُ بعدها عن طورِه، ويغادرَ المكان بعدَ أنْ أفرغَ ما في قلبهِ من غضب. مثلُ هذه البرامج التي تقدّمُ البشّرَ في طبقٍ فُكاهيّ رمضانيّ، يتناولُهُ المشاهدونَ أنفسُهم على موائدِ إفطارهمْ، ماهيَ إلاَّ برامجُ يجبُ أن يُحاكَم مُعدُّوها ومُخرجوها ومسؤولوها كذلك. برامجٌ جعلتْ من العاملِ والموظّف والكاتبِ والمسؤولِ مادةً للسّخرية، لا يضحكُ في أثناءَ عرضِها سوى مَنْ أعدُّوها وقدموها، أمّا نحن المتابعين، فَيتملَّكُنا الغضبُ والحزنُ لِمَا آلتْ إليهِ البرامجُ التلفزيونيّة من انحطاطٍ وبؤسٍ كبيريْن. ولأنّ الضجّة بعدَ استضافتهِ في هذا البرنامج كانت كبيرة، استوقفتني مجموعةٌ من التعليقات، منهم من دعا لنصرتهِ والوقوف معهُ، ومنهُم وهو "الأدقُّ رقبة" مَن قال بأنّه ملحدٌ وعليهِ منَ الله والناسِ ما يستحق منَ الإهانات، تفتحُ صفحةَ هذا المعلّق المؤمن الشخصية، لتلقِيَ نظرةً خاطفةً على حسابه، فتجدُ أغلبَ الصورِ التي يضعُها بافتخار عبارة عن شابٍ ينفُثُ دخانَ سيجارتهِ باستمتاعٍ ويكتبُ معلّقاً عليها: "معاك ننسى هموم الدنيا". يقولُها وهو الذي ربّما يعصي الله في الخفاء ولا يصلّي إلا في رمضان ولا يعرفُ اللهَ إلاّ في المناسبات وعندَ أبسطِ مُشاَدةٍ كلاميةٍ بينَه وبين صديقهِ، يسبُّ اللهَ ببساطةٍ كَمَنْ يشربُ كأساً من الماء، مبرّراً ذلك بالغضب، ولكنّه مع كلّ عيوبه، عندما يسمعُ بأحدٍ ما ملحد، تهزُّهُ الحميّة، التي تذكرُّني بحميّة الجاهلية وكأنّهم يتحولونَ فجأة إلى عمرو بن كلثوم حينَ قال: ألاَ لاَ يَجْهَلَنْ أحدٌ علينا فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا فيحكم على الرجلِ بأنّه ملحدٌ، والملحدُ برأيهِ يستحقُ أن يُهان. نحنُ الملائكةُ بأجنحةٍ بيضاء، المعصومُونَ عنِ الخطأ، الواثقونَ منْ دخولِ الجنّة بلا حساب، هل يستحقُّ منّا رشيد بوجدرة كلّ هذا الرَّجم؟ ثمّ لو كانَ الكاتبُ أمين الزاوي أو ياسمينة خضرا أو أحلام مستغانمي، مكانَ رشيد بوجدرة فهل كنّا سنرى إهانةً مماثلةً للّتي تعرّضَ لها رشيد، أم أنَّ بينَ المثقفين أيضاً، عليةُ القومِ وسادتُهم ومَنْ هُمْ دُون؟! رشيد بوجدرة لِمَن يجهلُهُ من الجزائريين، هو كاتبٌ مِنْ أفضلِ الكتّاب في الغرب، يكتب بلغةٍ فرنسيةٍ مُتقنَة، وبمفرداتٍ دقيقةٍ، يعجزُ الفرنسيونَ أنفسُهم عن فهمِ ما يقول فيستعينونَ بقاموسٍ لتفسير ما يكتُب. تروي والدتي بأسىً، فرحةَ دكتورتها ماري إلياس، المُشرفةِ على رسالتِها في قسمِ اللُّغة الفرنسية، عندَ رؤيتها رشيد بوجدرة في مُقابلةٍ تلفزيونية أجراها معهُ التلفزيونُ السوريّ، لتتصلَ بها وتطلبَ منها متابعتهُ والاستفادةَ ممّا يقول. موقفٌ كهذا يدفعُنا لمراجعةِ أنفسُنا قبلَ الإقدامِ على إهانةِ كاتبٍ يُشار له بالبَنَان. سَواءَ اختلفتَ مع رشيد وفِكْرِهِ وأدَبهِ المُثيرِ للجدل، أو اتّفقتْ، لا يحقُّ لكَ أن تُهينَه أو تُرهبَه، كإنسانٍ طاعنٍ في السنّ أولاً وككاتبٍ لهُ مكانتُه المرموقةُ ثانياً؛ لأنَّ علاقةَ العبدِ بربّه، لا تحتاجُ إلى وصايةٍ منك أو ممن سِواك.ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :