عشرة أعوام من حكم حماس في غزة بقلم: ماجد كيالي

  • 6/19/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تجربة غزة بينت أن الفلسطينيين لم ينجحوا في امتحان التسوية، ولا في بناء الكيان، كما لم ينجحوا في امتحان الديمقراطية، أو في بناء حركة وطنية.العرب ماجد كيالي [نُشر في 2017/06/19، العدد: 10668، ص(8)] لم يحدث أن واجهت حركة سياسية كل هذا الحجم من المشكلات والإحباطات والتخبّطات كما واجهت حركة حماس، منذ صعودها في المشهد الفلسطيني، بفوزها على حركة فتح في انتخابات المجلس التشريعي (مطلع العام 2006)، وبتحولها إلى سلطة أو إلى شريك في السلطة، ثم بسيطرتها الأحادية والإقصائية على قطاع غزة (يونيو 2007) وهيمنتها على حوالي مليونين من الفلسطينيين فيه. فمن يصدق اليوم أن ثمة عشرة أعوام مضت على انقسام الكيان الفلسطيني بين الضفة وغزة، الذي أعقب الاختلاف بل والاقتتال بين حماس وفتح في مثل هذا الشهر منذ عشرة أعوام؟ ومن الذي يصدق أننا إزاء كيانين أو سلطتين فلسطينيتين، متنافستين ومتعارضتين، واحدة لحركة فتح في الضفة، والثانية لحركة حماس في غزة، وكل واحدة منهما لها أجهزتها الأمنية والخدمية، وكلاهما ترزح تحت الاحتلال والحصار أو تحت هيمنة السلطة الإسرائيلية؟ ومن الذي يصدق أن كل الجهود العربية، وكل الاتفاقات (في مكة والقاهرة وصنعاء والدوحة) عجزت عن إعادة اللحمة إلى الجسم الفلسطيني؟ طبعا يمكن إحالة العديد من الإخفاقات والتخبطات الحاصلة إلى المعطيات الدولية والإقليمية غير المواتية، وإلى الخلافات الداخلية (مع حركة فتح) ووجود رؤيتين سياسيتين مختلفتين، بيد أن من السذاجة بمكان الافتراض مسبقا بأن الأطراف الدولية والإقليمية والعربية كانت ستصفق لحماس وترضى عنها، بل وتدعم بقاءها، هكذا ومن دون أي مقابل. كما أنه من التبسيط الاعتقاد، أيضا، بأن “فتح” كانت ستسهل على حماس في السلطة، وهي التي طالما عانت من سياسات هذه الحركة إبان كانت في موقع المعارضة. وفي كل الأحوال فإن مثل هذه الافتراضات أو التبريرات، لا تصبّ في صالح حماس، بل هي تؤكد أن هذه الحركة لا تتمتع ببصيرة سياسية، وأنها تفتقد للخبرة والتجربة في التعاطي مع تعقيدات ومداخلات القضية الفلسطينية، وأنها تحيل الأمور إلى البعد الرغبوي والغيبي، بعيدا عن الواقع والإمكانيات والمعطيات المحيطة. على ذلك فإن حركة حماس هي بالذات المسؤولة عن مآل الوضع في قطاع غزة، مع فهمنا أن إسرائيل هي المسؤول الأول عن كل ما يجري للفلسطينيين، وتحديدا عن الحالة المأساوية لهم في القطاع، لا سيما بعد ثلاث حروب مدمرة شنتها عليهم (أعوام 2008- 2011- 2014)، إذ ليس من المنتظر، ولا من المنطقي، توقع أن تقوم الدول المانحة، مثلا بالاستمرار بتمويل سلطة حماس هكذا مجانا وكأنها مجرد جمعية خيرية، وهي بالأصل كانت قامت من أجل تمويل عملية التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين. أيضا ليس من المنطقي البتة توقع قيام إسرائيل بتخفيف إجراءات الحصار على سلطة حماس، وعلى الفلسطينيين الذين تسيطر عليهم في القطاع، وهي التي كانت تفرض الحصار ومازالت، وتمارس الضغوط على مناطق السلطة منذ أواخر العام 2001 لفرض املاءاتها عليها، وتكريس واقع الاحتلال والاستيطان. وقد فات حماس أن الانقلاب الذي أحدثته في غزة (يونيو 2007)، بالتداعيات التي ولدها في الساحة الفلسطينية، هو بالضبط ما كانت تأمله إسرائيل لدى تفكيرها بالانسحاب الأحادي من هذا القطاع (أواخر 2005)، لتكريس الانقسام والخلاف والفوضى في الساحة الفلسطينية. وغاب عن حركة حماس أنها بانقلابها هذا تضعف شرعيتها الفلسطينية، وأن الواقع العربي والدولي لا يمكن أن يتعاطى معها، وأنها بذلك تسهم في تبرير مساعي إسرائيل لتشديد حصار قطاع غزة، والتملص من كل استحقاقات التسوية مع الفلسطينيين، وهو ما حصل. وعدا عن كل ما تقدم فإن تجربة العشرة أعوام الماضية أكدت إخفاق حركة حماس في عدة مجالات، فهي مثلا، لم تستطع تحقيق التوازن بين كونها حركة سياسية وكونها حركة دينية، في مجمل إدارتها للوضع في غزة، وفي العديد من الإيحاءات والتصريحات الصادرة عن قيادييها، والثقافة التي تفرضها الأجهزة التابعة لها، وسلوكيات أجهزتها الأمنية. أيضا بدا لافتا أن حماس لم تستطع أن تحافظ على مكانتها كحركة مقاومة، بعد أن صعدت إلى السلطة باعتبارها كذلك (بين عوامل أخرى)، وكأنها دخلت إلى المربع الحرج الذي عانت منه حركة فتح (غريمتها) سابقا، كونها عندما استلمت السلطة وتقيدت بقيودها، لم تستطع الحفاظ على وضعها كحركة مقاومة. أما في امتحان الديمقراطية، وإدارة المجتمع، فقد فشلت حماس كحركة سياسية إسلامية في إشاعة الثقة بشأن إمكان تحول الحركات الإسلامية إلى الديمقراطية، التي تتضمن احترام الرأي الآخر، وإغناء التنوع والتعددية في المجتمع، والقبول بالمشاركة ومبدأ تداول السلطة، كأن الانتخابات والديمقراطية عندها مجرد سلم للوصول إلى السلطة، ليس أكثر. وأخيرا لم يظهر، حتى الآن أن حماس تعرف ماذا تفعل بقطاع غزة، فهل تريده قاعدة للتحرير أم قاعدة للمقاومة أم بقعة تحررت وينبغي بناء نموذج لإدارة فلسطينية راشدة فيها؟ ومن تجربة عشرة أعوام من حكم حركة حماس لغزة، يمكن التوصل إلى استنتاجات عديدة أهمها: أولا، أن الفلسطينيين لم ينجحوا في استثمـار الانسحاب الإسـرائيلي الأحـادي مـن قطاع غزة، بتحويله إلى إنجاز وطني يمكـن المـراكمة والبنـاء عليـه، إذ تم تبديد هذا الإنجاز، وتجاهل التضحيات الجسام التي بـذلت في سبيله، بتحـويل غزة إلى مكـان لـلاختلاف والانقسـام والحـروب، وليس إلى نموذج يليق بولادة الكيان الفلسطيني. ثانيا، حوّل الاقتتال، ثم الانقسام، في غزة مأثرة الانتخابات الديمقراطية والنزيهة من مفخرة للفلسطينيين إلى وبال عليهم، وكارثة على حركتهم الوطنية. ثالثا، بينت تجربة غزة أن الفلسطينيين لم ينجحوا في امتحان التسوية، ولا في بناء الكيان، كما لم ينجحوا في امتحان الديمقراطية، أو في بناء حركة وطنية. رابعا، أثارت تجربة حماس مجددا شبهة مفادها أن حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية تتوسل الانتخابات باعتبارها مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة، وليس باعتبارها طريقة أو نهجا في إدارة النظام والسياسة والمجتمع. خامسا، ما حصل ومازال في غزة هو بمثابة دليل آخر على تفسّخ الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، لا سيما مع تحولها إلى سلطة تحت الاحتلال. كاتب سياسي فلسطينيماجد كيالي

مشاركة :