تمادى الظالمون لك يا وطني

  • 6/20/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

لَم يخطر ببالي يوما ان أكون شاعرا رغم ان النقاد والاُدباء والمفكرون والفلاسفة يجمعون ان من محفزات الملكة الشعرية ان تولد لأب وأم فقيرين وان تعيش في المناطق المطرفة بعيدا عن مواطن القرار والبذخ واحياء النخبة وان تستحم في صغرك في ما نسميه ( اللقن) وان تجلس بقرب والدتك وهي تغسل الصحون في قدر كبير بكسر القاف بعد مائدة غداء دسمة مليئة بالبندورة والبصل وان تلعب كرة القدم على الأسفلت فتهتري قدماك وتنزف دما يتم علاجه بديتول المطبخ وشقفة شريطة من اثياب امي الطاهرة وان يكون اكبر همك هو كيف تتحايل على ابيك لتحصل على مصروف اكثر من شلن او خمسة قروش لمن لا يعرف هذه المصطلحات ومن ثم تؤمن بكيت العصير المعلب زاكي او دمعة مع سندويش الفلافل ابو الشلن المصنوع قرويا أيضا من احدى نساء البلدة او رجالها المكافحين، لم أكن ارغب بالشعر رغم أني كنت الاول في صفي حافظا للشعر بارعا في النحو مميزا في الرياضيات وأحب العلوم واكتب كلمة الإذاعة كل يوم وأذيع على مسامع الطلبة اخبار الوزراء الذين كنت أظنهم في ذلك الوقت اكثر الناس استحقاقا للاحترام نظرا لتكرار الأسماء التي حفظتها عن ظهر غيب حتى بت مقتنعا بان هناك عائلات معينة في بلدي هي فقط من سمح لهم دستور البلاد بتولي مسؤولياتها وصياغة قوانينها وهم وحدهم من اختارهم الله واجتباهم ليفكروا عني ويقرروا عني ويحددوا مستقبلي ويتفضلون علي ويمنون بوظيفة هنا او هناك براتب ال ٤٠٠ دينار. لم أكن اعلم ان وطنية الشعراء ووراثة اسماء العائلات التي حكمت مصير البلاد لقرون هي من شروط تولي المناصب العامة في الدولة حيث انني لم اقرأها يوما في الدستور الذي طالما احتميت به وتغنيت به ودافعت عنه وزملائي ومنتقديّ يوجهون اللوم تارة ويضحكون علي تارة اخرى لقلة عقلي على ما يقولون، انا لست ابن وزير ولا رئيس حكومة ولا حتى امين عام ولا حتى رجل اعمال فوالدي مات مديونا وامي مثلا أمضت برهة من عمرها تحيك الثياب وتقول لنا تعلموا تعلموا تعلموا وتراحموا تراحموا تراحموا، ولأنني كنت مختلفا عن اخوتي في كثير أمور ومنها انخراطي في العمل السياسي والطلابي والعام كانت تقول لي على الدوام يا ولدي إيّاك وهذه الدروب المتعبة فلا ابوك فلان ولا عمك علان ولا جدك علنتان، انتبه يا ولدي فهناك حيتان ان اقتربت منهم افترسوك، وان حاولت دخول مناطقهم قتلوك، وان كشفت غطاءهم وبشاعتهم ودناءتهم وقذارة ممارساتهم للسلطوية أوجعونا واوجعوك، فابتعد يا ولدي وكن طالب علم فقط وعش حياة بسيطة ترتاح وتريح قلبي فأنا ام لا ولَم تعد تحتمل القلق، ولأنني ولدت متمردا على الواقع كما تقول امي فلقد رفضت الانصياع والاستسلام لقدر خطته ثلة فاسدة فاسقة في وطني ارتضت لنفسها العبث بمقدراتنا ومستقبلنا وتبادل المواقع والمنافع واحتكار السلطة وتوارث الاجداد من عائلات معينة بعينها كل انواع المواقع وورثوا كل انواع الصفات الاعتبارية ومن ثم كتبوا عقود ثوريثها للابناء من بعدهم ووثقوا عقود التوريث جيلا بعد جيل للأحفاد واحفاد الأحفاد. لكنني لم اسمع باسمائهم في قوافل شهداء الوطن الذين قدموا ارواحهم ليحيى الوطن وشعبه بأمن وامان ولَم اقرأ اسماء ابنائهم يوما في قوافل الأبطال الذين يصابون على الثغور اثناء اداء الواجب المقدس ولَم اسمع ان ابن الوزير الفلاني خدم الوطن بمعلومات حساسة حافظت على ارواح المواطنين وأبطلت مؤامرات عليه، لم اسمع بهم الا وهم يقفزون على كرسي الوزارة او الهيئة او الرابع او الديوان او السفارات الخارجية، فهم لا يحبذون العمل العسكري ولا الأمني ولا الخدمي ولكنهم مبدعون في الاستشارات وإدارة المؤسسات وقيادتها من فشل الى فشل ليحظوا بالامتيازات والمنافع ويمتصوا ما بقي لهذا الشعب من إمكانات ويوغلوا في تعميق جروح الشعب النازفة ألما على ما يرونه يوميا من استهتار وصل حد الاستحقار للشعب او غالبيته وتحدي ارادته والتمادي في الغي النخبوي دون رادع او اعتبار لمشاعرنا. الْيَوْمَ اقولها مرة اخرى يا سيدة نساء الكون يا أمي: لن نستسلم لهؤلاء المرتزقة ولو كلفني ذلك كل شيء، لن يستسلم شعب أحب أرضه وقائده ولكنه يرفض الاستمرار برهن مستقبله لبضعة أيدي فاسدة ضلت واضلت وطغت وتجبرت على مستقبل البلاد والعباد. سنرفض النخبة وسنطالب باجتثاث كل فاشل من مواقع السلطة وسنطالب لاحقا بمحاكمتهم ومحاسبتهم كيفما يستحقون وبالقانون وسنحتمي بالدستور بعد الله. اخيراً أيها الناس: انها ايّام تستجاب فيها الدعوة فكثفوا دعاءكم على الظالمين. *د. الشمري- جامعة تكساس

مشاركة :