لك الله يا وطني

  • 10/17/2014
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

لك الله يا وطني، لك الله يا درة نفيسة تطفو على سطح البسيطة فلا تبرق إلا في عيون الغرباء! لك الله يا بوتقة من لؤلؤة تشع وهجا فلا ينتشي بها إلا من دار على مدارج السفوح الشائكة والمليئة بالخنافس الملساء! لك الله يا وطني حين تغتر بين حنايا الجفون، فلا يراك من تكحل بترابك الزعفران! لك الله يا وطني حين تركض في السحاب الطلق تبحث عن ودق يسقى عوسجة اشرأبت بعنقها لتشرب من ثدييك المعطاءين! لك الله حين يبحث الفرد منا عن سخافات الزمن والوافد والمستور، عله يضيف لنا قيمة حينما نشعر أننا أشياء فنبحث عن القيم. وحينما تضفي الأشياء قيمة للفرد تكون القيمة للشيء ذاته، فتنقلب الصورة وتضيع الأشياء فتضيع القيم وتعم الكارثة! لك الله يا وطن أعطيتنا كنوزك بكل كرم، ونحن نبحث عن المظاهر، ليجني الثمر من نسوح في أرضه، فهل إلى هذا الحد أصبحت المظاهر ظواهر؟! لماذا هذا اللهاث وراء الأشياء، ثم الملل منها سريعا واستبدالها سريعا أيضا؟ لماذا هذا التنوع السلعي الذي لا نشاهده في بلاد هي محل صناعتها؟ ولماذا لا نمعن النظر في ذواتنا؟ وأظن أننا لا نستطيع؛ لأننا لو فعلنا لخجلنا منا! فنحن أبناء هذا الوطن ندرك أننا قيمة شديدة العراقة والتاريخ والمجد، ثم نحن من نحّى كل ذلك جانبا وأعطينا المجد والقيمة للأشياء، فأصبحنا نحن أشياء تسعى لاكتساب القيم من الأشياء التي تعالت وركبت عرض المجد فأصبحت هي قيمة! لقد وعى الغرب هذه المشكلة مبكرا، فعالجوها في أدبهم وفي فلسفاتهم، حتى رأينا أنها أقصيت تماما في يومنا هذا، ولكنها ولدت لدينا نحن العرب! فأول من وضع نظرية التشيؤ هو "كارل ماركس"، ويعني بهذا هو "صنمية السلع" أو خنوع الإنسان إلى سلطة الشيء، ومن هنا يكون هو ذاته يتحرك في داخل دائرة لا فكاك منها، وعيا وسلوكا وبنية ونسقا فيما أسماه بنظرية الاستلاب، لأنه يقع في ظل غيبوبة استلابية على كل المستويات.. ثم طورها بعد ذلك "جورج لوكاكش" على المستوى "الأنثربولوجي". إن الإنسان هو الجنس الأرقى بأمر الله في هذا الكون، وبالتالي أصبح لدينا نزاع كبير بين الإنسان بوصفه قيمة ومخلوقا مكرما على سائر المخلوقات، أي على كل شيء؛ وبين هذه الأشياء التي تفرض سلطتها على الإنسان لكي يصبح عبدا لها يكتسب قيمته من خلالها، فيخضع للتسعير والتقييم، فيفقد حريته وهويته وإنسانيته، مما يسبب له العناء والتعاسة والشقاء، ولذلك نرى التعاسة على وجوه الخلق؛ لأن السلعة أصبحت هي الأرقى، هي القيمة، هي "الماركة" المدموغة على ظهر الجلباب أو السيارة، أو حتى على ستائر منزلك. ألم يكن العرب هم أنفسهم من احتقروا العبودية، وأعلوا من شأن الحرية والأحرار، فلماذا هذا الاستلاب والانسحاق الطوعي للأشياء؟ ألسنا نأبى العبودية ونحتقرها؟! يقول ماركوز، وهو واحد من كبار ممثلي المدرسة النقدية "مدرسة فرانكفورت": "إن الفرد لم يعد يمثل نقطة الانطلاق، بل أصبح يمثل هو الغاية، لذلك وجب علينا بذل قصارى الجهد من أجل أن نجعل من وجود الفرد شيئا ممكنا"، يجب أن يكون الفرد ذاتا عارفة وذاتا فاعلة على حد سواء، يجب أن يكون هو العنصر النشيط الأول في مجالات الفكر والممارسة، ولا ينبغي إخضاع إرادته لأية قوة خارجية ولا لأية إرادة جماعية". وبطبيعة الحال، لم يحدث الأمر بالمصادفة، وإنما هو نتاج تأثر وتأثر بالفلسفات التي تنتثر في الهواء، فننهم من رذاذها دون وعي أو دراية، فالفكر العالمي عابر للقارات بلا شك، ولكن ما إن تموت النظريات في بلاد الله حتى نراها تنبعث فينا دون هوادة! يقول أحمد أغبال في دراسة له حول مفهوم التشيؤ: ".. ولعل فكرة اندحار الفرد التي يشهد عليها واقع الشركات الاقتصادية الضخمة والعابرة للقارات هي الأساس الذي قامت عليه نظرية الديالكتيك السلبي عند أدرنو Adorno؛ ترتكز هذه النظرية على فرضية مفادها أن الحاضر لم يعد يحتوي على بذور المستقبل. لقد كان التقدم على عهد هيجل وماركس أمرا ممكنا، ولذلك كان ديالكتيكهما إيجابيا، وغدا في الوقت الراهن أمرا عسيرا، إن لم يكن مستحيلا. ويرجع السبب في ذلك إلى غياب الفرد الإيجابي الفعال، وإلى تراجع الفكر المستقل، وتفكك الأنا الأخلاقي، وضياع الذات، وإلغاء الخصوصية الفردية وذوبانها في الجمهور". لقد أصبحت المظاهر هي الظواهر، هي لولب الحياة الحلزوني الذي يجذب الذات الفاعلة إلى القاع وحينها لا يوجد مستقبل، وحينما تابعت عن كثب ما يشغل فكر أبنائنا وبناتنا في هذه الحقبة الحرجة من تاريخ الوطن العربي بأكمله، وجدته لا يتجاوز نشر أشيائهم عبر قنوات التواصل الاجتماعي، والتباهي بكل الأشياء التي قد تضفي القيمة على أفراد افتقدوها، أو يبحثون عنها في ركام الأشياء! ومن حديثي مع إحدى تلميذاتي وجدت أن اليأس، والحزن، والكآبة، والمرارة، وكل تعابير البؤس تعلو وجهها الملائكي البريء المفعم بالبحث عن السعادة، وذلك لأنها تتابع ما ينشر في مواقع كثيرة من ثراء الآخرين المتمثل في الأشياء، وكأن امتلاك الأشياء هو عرش لا يُنال إلا بالمادة والمادة فقط! ألم تر فتاتي هذه، جمالا آخر في رؤس النبلاء والنبيلات؟! ألم تر فتاتي تاج المعرفة المعلق في الأفق والذي لا يُنال إلى بالارتقاء؟ ألم تر فتاتي وطنا ترابه معطر بخطوات الأنبياء والرسل فتنتمي إليه بسعادة، وتترك النظر إلى كل هذه السخافات؟ حينها قلت: لك الله يا وطني!

مشاركة :