حبر وملح (ماء وملح)

  • 6/13/2014
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي وَجعُنا بفعل ما يحدث في بلدان عربية كثيرة في مقدمتها سوريا والعراق وليبيا وسواها، وحزننا على دماء بريئة تسيل يومياً ومواكب جنائز تكاد تحوّل بلادنا برمتها مقبرةً جماعية، وشجبنا الراسخ لكل عمليات القتل والتدمير التي تطاول البشر والحجر وتعود بأوطاننا عقوداً الى الوراء، كلها على مرارتها وفجائعيتها وشراسة ما تحفره في وجداننا وضمائرنا وما تتركه من شروخ وتصدعات هائلة في مجتمعاتنا لا تنسينا الهم الفلسطيني الذي لم يعد يعني الكثيرين لأسباب متعددة لن نغوص فيها أو نبحث لها عن تبريرات ما دام الواقع المرّ جعل كل بلد عربي يقول للآخر: «لا تشكُ لي أبكِ لك» في دلالة على عمق المأساة التي بتنا نعيشها. ولكن على رغم كل السواد والحلكة وغزارة الدماء لن نفقد الأمل بأيام آتية عساها تكون أفضل، علَّ هذا المخاض الطويل الموجع ينتهي الى ولادات سعيدة. نعتقد أن لا ولادات سعيدة ان لم تشمل فلسطين المتروكة لحالها وأوجاعها وصبرها وصمودها ومقاومتها اليومية لاحتلال اسرائيلي بغيض يزداد صلفاً وتعنتاً وعدوانية محاولاً الإفادة قدر المستطاع من الظروف العربية الراهنة ليستفرد بفلسطين مواصلاً تهويد الأرض جاعلاً امكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة أمراً شبه مستحيل كنتيجة بديهية لحجم الاستيطان والتهويد اللذين يمارسهما بشكل يومي غير آبه بكل «التمنيات» الدولية الخجولة بوقف الاستيطان أقله في مرحلة التفاوض مع السلطة الفلسطينية، بل بلغ به الصلف والعسف والتجبر أن يعتبر الإفراج عن بضعة أسرى فلسطينيين من معتقلاته النازية تنازلاً ضخماً وكبيراً! المستهجَن في قضية الأسرى الفلسطينيين الذين يواجهون السجّان الإسرائيلي بالأمعاء الخاوية والماء والملح أنها لا تحظى بما تستحقه اعلامياً وإنسانياً كي لا نقول وطنياً وقومياً، ولئن كنا نفهم (ولا نبرر أبداً) أن تحول المآسي الكبرى والتشظيات العربية الهائلة دون ايلاء فلسطين ما تستحقه من عناية ورعاية لأن كل بلد عربي يغني على ليلاه المريضة، فإننا لا نفهم البتة كيف لا تحظى قضية انسانية وأخلاقية تعني آلاف الأسرى القابعين في زنازين المحتل ومعتقلاته بما ينبغي من اهتمام اعلامي يسلط الضوء عليها ويلفت انتباه العالم والمنظمات الحقوقية الدولية الى خطورة ما يتعرض له المعتقلون من تعذيب وعسف وجور، والعجب العجاب أن كثيراً من المنظمات الدولية تقيم الدنيا وتقعدها حين يقع أي أجنبي رهينة هنا أو هناك (مع رفضنا المطلق لحجز حرية أي انسان بسبب رأيه أو معتقده أو جنسيته)، ولا تحرك ساكناً لأجل آلاف الأبرياء الذين لا جريرة لهم سوى حقهم المشروع في مقاومة محتل مغتصب أرضهم وبلادهم، وهو حق كفلته كل المواثيق والشرائع الدولية. ولئن كنا نعلم جميعاً أن وسائل الإعلام التقليدية محكومة بحسابات سياسية أو تجارية، فإن الميديا الحديثة أو البديلة قادرة على احداث فارق وكسر جدار الصمت حيال قضية تعني أيضاً آلاف الأسر والعائلات الفلسطينية والأمهات والزوجات والأبناء الذين وُلدَ بعضهم وآباؤهم خلف القضبان، وبالفعل فإن ثمة هاشتاغ على موقع تويتر بعنوان «مَيْ وملح» يستحق الدعم والمتابعة لأنه يلاحق مجريات مواجهة يخوضها الأسرى بسلاح الإضراب عن الطعام ضد السجّان الإسرائيلي لإجباره على إلغاء ما يسميه الاعتقال الإداري وهو بدعة اسرائيلية تتيح للمحتل ممارسة سياسة الاعتقال العشوائي تجاه أبناء الشعب الفلسطيني من دون أي رادع أو وازع أو حتى محاكمة شكلية هي باطلة أصلاً ببطلان شرعية الاحتلال نفسه. وحبذا لو ننتقل من مرحلة الهاشتاغ والدعم المعنوي وكتابة عواطفنا ومشاعرنا تجاه الأسرى والمعتقلين الى خطوة أخرى ولو متواضعة تتمثل بإمطار مواقع المنظمات الحقوقية بسيل من الإيميلات والتعليقات والكتابات لحضّها على القيام بواجبها البديهي، كما ندعو السلطة الفلسطينية الى وضع قضية الأسرى على جداول لقاءاتها مع جميع المسؤولين الذين تلتقيهم سواء داخل فلسطين أو خارجها. وكما تفرض دولة الاحتلال الإسرائيلي على زوارها الرسميين وغير الرسميين زيارة حائط المبكى أو نصب الهولوكست فلتضع الحكومة الفلسطينية على جداول زيارات ضيوفها زيارة عائلات الأسرى علّ هذا الحراك يساهم بخلق حالة ضغط تراكمي لنصرة الأسرى في معركتهم التي ينبغي ألا تقتصر على الماء والملح بل أن ينضم اليها الحبر أيضاً، حبر الأدباء والشعراء وكل قادر على خط حرف في كتاب الانتصار لفلسطين وقضيتها العادلة.

مشاركة :