في مقالها* على DW عربية تسلط المدونة والكاتبة الصحافية الفلسطينية رشا حلوة الضوء على علاقات الحب العابرة للدين والطائفة والقومية وكيف يصبح الحبّ جزءًا من آراء وقرارات أشخاص خارج معادلة هذا الحبّ. في لقاء مع صديقة عربيّة مقيمة في برلين منذ عامين، ومتزوجة من شاب كرديّ، كان لا بدّ أن نتطرق في حديثنا إلى علاقات الحبّ والزواج بين شخصيْن وُلدا أو ينتميا إلى أديان أو طوائف أو قوميات مختلفة. كأن هذا الاختلاف، الذي بالغالب لم يختاره أحدّ منا، ولسنا مسؤولين عنه، يصبح الأهم في العلاقات العاطفيّة والشّراكة الزوجيّة، أكثر من الذي من المفترض أن يكون الأهم: الحبّ. وأقصد بأنه يصبح الأهم ليس بالنسبة لمن هو متورط – إيجابًا – في الحبّ، إنما لكل شخص يعتقد أن لديه الصلاحيّة بأن يتدخل في مصائر الناس وعواطفهم. على الرّغم من الظروف القاسيّة التي حملتها وشريكها إلى هُنا بعيدًا عن بلدهما، إلّا أن صديقتي ترى بأن العلاقة العاطفيّة لم تكن لتنجح لو بقيت في بلدها لأسباب كثيرة. "نحن بعيدون عن عائلاتنا الذين يواصلون تذكرينا بعادات وتقاليد المجتمع. وهُنا، في برلين، نحن بعيدين عن هذه الأفكار التي فرضها المجتمع علينا. لو كنا في بلدنا لأصبح الوضع كارثيًا، لأن حتى من لا رأي له في العائلة سيتحوّل إلى صاحب رأي. لكن هنا، أنت تختارين كل من تريدين التعامل معه.. ببلدنا نحن محكومون بالمجتمع، وأي تمرد عليه سيجعلك منبوذة كلّ العمر". "الإشكاليّة" في العلاقات العاطفيّة والشراكات الزوجيّة ما بين أشخاص من أديان وطوائف وقوميات وطبقات اجتماعيّة مختلفة هي ليست وليدة اليوم، على مرّ التاريخ، عانى – ولا زال يعاني - العشّاق من تحويل مشاعرهم كالحبّ وقراراتهم بالشّراكة العاطفيّة أو الزوجيّة من مسألة شخصيّة وفرديّة أو ثنائيّة تخص اثنين إلى شأنٍ عام، فيصبح الحكم على اختيار الفتاة لحبيبها أو الشاب لحبيبته هو وفقًا لدينه أو طائفتها أو قوميّته، ولا يمت بصلّة لمن هو أو هي كأفراد: ماذا يفكر؟ ماذا تحبّ؟ كيف يعامل كل منهما الآخر؟ ما هي أكلتها المفضّلة؟ مثلًا يعني! المهم، أسباب كثيرة بإمكاننا الحديث عنها فيما يتعلق برفض أفراد وعائلات ومجتمعات علاقات حبّ وشراكات زوجيّة بين زوجيْن من خلفيات دينيّة وطائفيّة وقوميّة. وهذا لا علاقة له إن كانا الزوجيْن مؤمنين بالدين أو بالطائفة أو بالقوميّة، بإمكانهما أن يكونا ملحدين تمامًا ورافضين للقوميات جميعها، وبإمكانهما أن يكونا متدينيْن – كل على دينه أو طائفته – ولا يريان أن دين كل منهما هو مؤثرًا سلبيًا على حبّهما، بالعكس، يرونه دافعًا إيجابيًا للحياة المشتركة بتنوعها وغنائها وجماليتها. لكن بالطبع، يعود الحبّ العلنيّ وقرار الشّراكة العاطفيّة أو الزوجيّة هو شأن لا علاقة لأصحابه به، حسب مفاهيم البعض. بعودة إلى الأسباب، بالطبع لا يمكن لأحد رافض لعلاقة حبّ بين شخصيْن من أديان/طوائف/ قوميات مختلفة أن يكتب مقالًا أو يُصدر فيديو ينشره عبر فيسبوك يحكي فيه عن أسباب رفضه لقصّة حبّ ما، أو لا زلت أعتقد أنه لا يمكنه أن يفعل ذلك علنًا.. لكن، كم من مرة سمعنا عن شخص ينتمي إلى دين ما – وليس شرطًا أن يكون متدنيًا، بإمكانه أن يكون علمانيّ تمامًا وناشط سياسيّ واجتماعيّ أيضًا - لكنه يتعامل بفوقيّة واستعلاء تجاه أشخاص ينتمون إلى دين آخر؟ عادةً ما يكون التعامل هذا سرًا، ضمن حديث عائليّ حول مائدة الطّعام، على سبيل المثال. للأسف، ومع وجع عميق يفوق أوجاع كثيرة، نعيش أسوأ الفترات في بلادنا، وأكثرها وجعًا هي الطّائفيّة ورفض الآخر لمجرد أنه ينتمي إلى دين أو طائفة أو قوميّة أخرى. المشكلة لا تكمن فقط هنا، أي بالنهاية، فليكن كل واحد مسؤولٌ عن تصرفاته وخياراته ومشاعره وشكل حياته، لكن لماذا يصبح الحبّ جزءًا من آراء وقرارات أشخاص خارج معادلة هذا الحبّ؟ أكثر من يعاني من القضايا اجتماعيّة، هن النساء، وفي هذه المسألة، تكون النساء هن الضحايا غالبًا. كم من قصّة نعرفها أو سمعنا عنها عن نساء تم تهديدهن وممارسة العنف ضدهن ومقاطعهن لمجرد أنهن أحببهن رجلًا وُلد إلى دين آخر؟ كم رجل رأى بأن من حقه التحكم بما اختار قلب أخته لأنه يعتقد أنه فهيم أكثر منها؟ صديقة أخرى كانت تتحدث عن هذه المسألة قبل أيام مشيرة إلى أن هنالك من هو أسهل عليه أن يمارس عنفًا ما ضد أخته أو ابنته أو ابنة أخيه على أن يراها تحبّ شابًا من غير دينها. وهذه كارثة من كوارث الدنيا: حين يشرّع البعض لنفسه أن يحوّل العلاقات العاطفيّة من حبّ إلى حلبة تعنيف وخوف. لا شك أن هنالك قصص جميلة في هذا السّياق، قصص تستحق أن تُعرف وتُنشر لتكون درسًا يفرح القلب في أزمنة ثقيلة كالتي نعيشها. لا شك أن هنالك نساء حاربن ولا زلن يحاربن على قلوبهن وحبّهن، سواء في بلادهن أو بعيدًا عنها. وبلا شك أيضًا، بأن هنالك عائلات شكّلت الدعم الكامل لبناتها وأبنائها بأن يتابعوا بوصلة قلوبهم، سواء كانت عائلات مرتبطة بالدين أو بعيدة عنه. في بلاد كتبت عن الحبّ، عن راحته وجماله، اليوم في عام 2017، لا زال هنالك من يمارس ضده التهديد والترهيب لأنه أحبّ شخصًا من غير دينه وطائفته وقوميّته. وفي الوقت الذي لا يمكن إلّا للحبّ أن يكون فضاءً آمنًا لكل هذا الخراب الذي من حولنا، نحتمي به... هنالك من هو قادر على تحويله إلى فضاء خوف. وإن لم نكن قادرين أن نفعل الكثير لتغيّير هذا الواقع، فقط لنترك الناس تحبّ كما ومن تشاء، فهنالك من لا زال قلبه قادرًا على أن يحبّ. الكاتبة: رشا حلوة * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.
مشاركة :