رشا حلوة: نساء يصبنَ بالسّرطان، ويُتركنَ وحدهنَ!

  • 8/23/2017
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

مأساة النساء اللائي يصبن بمرض سرطان الثدي لا تتوقف عند معاناة المرض بل في تخلي بعض المقربين وخصوصا الزوج عن شريكة حياته في أسوإ الظروف. لماذا يحدث ذلك في المجتمعات العربية؟ سؤال تطرحه المدونة والكاتبة الصحفية رشا حلوة. لا زالت شريحة كبيرة من المجتمعات العربيّة تُطلق اسم "المرض الخبيث" على مرض السّرطان، أو حين يرغب أحد بأن يصنّف شخصًا قد أصيب بمرض السّرطان، يقول: "عنده/ا هداك المرض"(ذلك المرض). حيث أنّ هذا التّوجه، يجعل الكثير ممن أصيبوا به يصارعوه خفيّة أو سرًا عن المجتمع، كما أن هنالك نقص واضح بالتوعيّة تجاهه، الفرديّة والمجتمعيّة. أنواع أمراض السّرطان كثيرة، يُصاب بها مع اختلافها الرجال والنساء على حد سواء، لكن أكثر الأمراض النسائيّة السرطانيّة انتشارًا هو سرطان الثّدي، وفيه خصوصيّة من المعاناة، كون له أثار خارجيّة على جسد المرأة، خاصّة إذا تعرضت إلى استئصال الثّدي بعد قيامها بعمليات علاجيّة عديدة. لا أحد يعرف ما يمرّ به المصاب بالسّرطان إلّا نفسه، منذ لحظة معرفته بإصابته بالمرض مرورًا بكل المراحل العلاجيّة. بالمقابل، هو وحده الذي يعرف حاجته الإنسانيّة الأولى لأن يُحاط بالدّعم، سواء من العائلة المقربة أو البعيدة والأصدقاء. حيث أنّ الدعم النفسيّ الذي يحتاجه المريض، كما الدّعم المادي في كثير من البلاد العربيّة من أجل العلاج، هو فوق التعريف والتقدير أحيانًا. أبحاث كثيرة صدرت حول تأثير مرض السّرطان على الحياة الشخصيّة والاجتماعيّة للمريض، منها تأثير المرض على العلاقات الزوجيّة، كالدراسة التي عملت عليها "مجلّة السّرطان الدّوليّة" في العام 2009، والتي أفادت بأن نسبة طلاق أزواج عن زوجاتهم المصابات بمرض خطير، تفوق سبعة مرات لو كانت الحالة معاكسة، أي لو كان الرّجل مشخّص بإصابته بمرض خطير. هذه الإحصائيات لا تبتعد كثيرًا عن واقع المجتمعات العربيّة، ومعاناة النساء المصابات بمرض السّرطان واللواتي ينفصل عنهن أزواجهم، ففي الجزائر، ووفقًا لتقرير نُشر في DW  عام 2014 بعنوان " الجزائر – نساء ضحايا الطلاق بسبب مرض السرطان"، تتعرض ثلث النساء الجزائريات المصابات بمرض السّرطان للطلاق. وفي العام 2016، نُشر تقرير في صحيفة "العربي الجديد" بعنوان " أصبن بالسرطان... فطُلِّقن"، يقول بأن 38% من النساء المصابات بالسّرطان في قطاع غزّة طلّقهن أزواجهن بعد اكتشاف إصابتهن، وفقًا لعميد كلية الحقوق والعلوم السّياسيّة في جامعة الإسراء في غزّة. الأسئلة المهمّة هي؛ لماذا على المرأة، وضمن الظروف القاسيّة التي تعيشها بلادنا وانعدام الأمان الصحي والاقتصادي في كثير من الأحيان، وغياب القوانين التي تحمي المرأة وحياتها وصحّتها، يجب عليها أيضًا أن تعاني من انعدام الدّعم المعنوي والاقتصادي وتترك وحيدة في مواجهة كل هذا؟ هنالك محاولات عديدة لمراكز الحماية من السّرطان والتوعيّة بشأنه تحاول أن تدفع نحو سنّ قوانين لحماية المرأة المريضة بالسّرطان بعد طلاق أزواجهن لهن، على الأقل، أن تؤمن الدّولة الدّعم الاقتصادي لعلاجهن. نعرف أن الكثير من ردود الفعل إزاء "هداك المرض" نابعة من عدم معرفة ووعي بكل ما يتعلق به. لكن عدم المعرفة ليس من المفترض أن يكون مبررًا لبعض الفئات المجتمع الذكوريّة بكيفيّة تعاملها مع المرأة التي تعاني من مرض خطير. أسباب كثيرة تعود لطلاق أزواج من زوجاتهن بعد تشخصيهن بمرض السّرطان، منها عدم وجود قاعدة متينة للعلاقة فيما بينهم، أو لأسباب اقتصاديّة أو جبن من المواجهة، لكن وجود الأسباب لا يعني شرعنتها. إلّا أن أسوأ الأسباب التي تجعل الرجل ينفصل عن زوجته لأنها أصيبت بمرض سرطان، كسرطان الثدي مثلًا، لأنها، حسب وجهة نظره، قد فقدت شيئًا من أنوثتها! أو لأن المرض سيجعلها تفقد جزءًا أساسيًا من دورها كزوجة بالبيت! أو لأنها لن تصبح "زوجة صالحة" بعد مرضها! ولن تكون أمًّا صالحة ولن تتحمل مسؤوليات الأسرة! الكثير من الأسباب بإمكاننا سماعها ومشاركتها الآن، وكل سبب بإمكانه أن يحرق القلب تمامًا. الإحصائيات هذه التي تتعلّق بالمجتمعات العربيّة هي حقيقة، لكن أيضًا هنالك حقائق أخرى إيجابيّة تخص مجتمعاتنا في كل أماكن تواجدها، في بلادنا وخارجها. وعلى الرّغم من كل الانتقادات التي بإمكاننا أن نوجهها لمجتمعاتنا ولبعض فئاتها التي تتعامل بذكوريّة مع كلّ شيء، تتميّز مجتمعاتنا بأهمية العائلة والحفاظ عليها، هذا الارتباط الذي يرافقنا منذ الولادة إلى كل مراحلنا الحياتيّة. أزواج كثيرة تركوا زوجاتهم لأنها أصيبت بمرض خطير، لكن هنالك قصص أخرى، كان قد وطّد مرض الزّوجات من جديد علاقتهن العاطفيّة بأزواجهن.  في حديث مع صديق عربيّ، أصيبت زوجته قبل سنوات بمرض السّرطان، هو الذي لم تكن علاقته بزوجته قويّة قبل مرضها. يقول: "عشنا لسنوات حياة عاديّة تمامًا، مليئة بالانشغالات اليوميّة بما في ذلك ضغط العمل والظروف الاقتصاديّة الصّعبة، مما أثر كل هذا على البيت والأطفال وعلاقتنا الزوجيّة التي أصبحت جافّة مع الوقت. قبل سنوات، عرفت زوجتي بأنها مصابة بمرض سرطان، وكان وقع الخبر عليها قاسيًا، شعرتْ هي عندها بأنها تفقد كل شيء. لكن اليوم، بعد عبورنا تلك المرحلة وعلاجها والشّفاء الكامل من السّرطان، يمكنني القول بأن مرضها أنقذنا جميعنا، هي، البيت وعلاقتنا الزوجيّة".  في كثير من الأحيان، يختار البشر الشّراكة الزوجيّة كمسار للحياة، لأنهم يؤمنون بأن بالشراكة مع الآخر، ستجعل الحياة أفضل، وحين يتعرض أحد الزوجيْن لمأساة، كالإصابة بمرض عضال، تجعله أقل سعادةً، بل حزينًا، عندها من الممكن أن يقرر غير المصاب بالمرض الهروب من الحزن، لا بل الخوف أيضًا، والبحث عن سعادة في مكان آخر. لكن، محزن من يعتقد أن الهروب من الخوف ومواجهته سوف يجلب سعادة، وسعيد من يعطي فرصة للحزن بأن يعلّمه السّعادة. ختامًا، خسرت والدي قبل سنوات بعد صراعه مع مرض السّرطان، خلال فترة معركته اليوميّة، ووسط كل الحزن والخوف، تعرّفت على نوع جديد من السّعادة، تلك التي رأيتها في وجهه كلما كنا نحيطه بالدعم والحبّ.

مشاركة :