الوتس أب

  • 6/14/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قبل حوالي خمس عشرة سنة تشكلت في داخلي فكرة عن العالم بما فيه المملكة. كنت مؤمناً إلى حد كبير أن المجتمعات سوف تتقطع إلى جزر. سيتحول كل مجتمع إلى مجتمعات. كل يوم تنبت قناة جديدة تقلد أو تختلف عن القائمة. كانت معظم القنوات تلبي حاجة الناس للترفيه. غناء ورقص وفوضى ذوقية بلغت من السخف حداً غير مسبوق يصاحب هذا قنوات تتجه إلى التشكلات الثقافية وتغذيها. كقنوات الدين والطائفية والقنوات القبلية وقليل من القنوات الثقافية. بدأ الناس يفقدون القناة الجامعة التي توحدهم في إطار مجتمع واحد كما كانت الحال مع القناة الأولى في الزمن القديم. عندما كنت أقارن تجربتي مع هجمة القنوات في التسعينات بتجربتي مع تفرد القناة الأولى في الأزمنة التي سبقت كنت أشعر أننا نزحف لعالم جديد من الصعب تعريف شكله أو طبيعته. تخيلت أن الأجيال الجديدة سيكتسبون ثقافات جديدة محصورة في نطاقات ضيقة. كل اتجاه في المجتمع يفتح لنفسه قناته الفضائية ويستقل. ستتكرس روح القبلية أكثر في هذا والآخر ستتشبع روحه بالتعصب المذهبي والتزمت والثالث لن يعرف في حياته سوى الكورة أو الغناء لكن سرعان ما تغيرت المعطيات على الأرض. فجأة دخل على الفضائيات والتلفزيون منافس جديد. تحول الناس إلى الإنترنت. التطور المذهل في هذه التكنولوجيا أربك كل توقعاني. يمكن القول إن كل سعودي تقريباً يستخدم الوتس اب في أغراض لا حصر لها من بينها الترفيه وتبادل الطرائف والأخبار والنكت والإشاعات. لا يمكن أن تعرف من أين جاءت النكتة أو الإشاعة التي وصلتك قبل قليل و في الغالب سوف تمررها على أشخاص آخرين وبالتأكيد سوف تترك هذه النكتة المدينة التي تعيش فيها في أي لحظة لتدور في مدينة أخرى. هذه الشبكة الهائلة يمكن اعتبارها شرياناً ثقافياً فكرياً يربط المجتمع السعودي بعضه ببعض من البحر إلى البحر. سوف يشكل هذا الشريان المجتمع على الأصعدة كافة ويوحد ثقافته ومعارفه وسيصنع ذوقه أيضاً. تلاحظ أن هذا الشريان لا يميز بين الأعمار ولا بين الجنسين( ذكوراً وإناثاً) فالنكتة مهما تدنى مستوى الحياء فيها تشق طريقها(سكاتي) بين الجميع و(يدروها) أكثر الناس. لا أحد يجهل أن هذه النكتة السخيفة مثلا لن تبقى محصورة في القروب. كل مشترك في القروب إما أن يكون مشتركا في قروب آخر أو أنه يتبادل الرسائل (الهابطة) مع خاصته الحميمين. الملاحظ أن كثيراً من الناس بضغط من هذه الرسائل بدأ يتخفف كثيراً من الحياء التقليدي أو المنافق. الملاحظة الثانية اشتراك الرجال والنساء في نفس التدفق الشرياني من بينها النكت السخيفة والهابطة. مما يعني أن ذوق كبار السن والمراهقين والشباب والجنسين سيتوحد. شيء لم يحدث في التاريخ من قبل. قد يطرأ على بالك الآن التويتر. معظم السعوديين اليوم يملكون فيه حسابات. في البداية ظننت أن التويتر مثل الوتس أب أداة توحيدية. لكن إذا تأملت فيه فستجده لا يختلف عن القنوات الفضائية. يجزر الناس إلى شرائح. جماعة الكورة مع بعض وجماعة الغناء مع بعض ومجتمع التزمت مع بعض والمثقفون واللبراليون مع بعض الخ. لا يوجد تداخل مجتمعات في التوتير إلا في صورة (مناقر) وصراعات.. المغردون المحايدون لا قيمة لهم. أي تكريس السائد. أم أن تكون مع المتزمتين أو مع المثقفين أو أن تكون مع الهلال أو النصر الخ. يمكن القول أن المحايدين والميالين للسلام مكانهم الفيس بوك. المكان المفتوح الذي يكون فيه المرء مع أصدقائه أو مع من انتقاهم وبشكل لا يسمح بالغوص في الأشياء الحميمية. المحزن في الأمر أن من يزودنا بالأسلحة التي نقتل بها بعضنا البعض يقرر نيابة عنا الطرقات التي علينا أن نسير عليها وهذا بيت القصيد.

مشاركة :