قروبات «الوتس أب» هل تنتصر للذكرى؟

  • 8/19/2013
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

حينما رسم سلفادور دالي لوحة الزمن من خلال الساعات المائية كإشارة إلى اندياح الأيام وجريانها مثلها مثل تدفق السيل أو مياه النهر التي تجرف ما يقف في طريقها، وكذلك الأيام تجرفنا وتغير أعماقنا وأشكالنا وأحوالنا وترمي بنا لمصباتها، فيصل بعضنا، ويعلق البعض، أو يتوه البعض الآخر في منحيات المجرى.. ربما وقف سلفادور دالي على الحقيقة برسمته تلك. ألم يقل دالي ــ نفسه: إن الذباب كل الزمن وانتهى كل شيء. فأي ذباب هذا الذي يأكلنا؟ هل هو الغياب أم التغير؟ وإزاء هذين العنصرين (الغياب والتغير) يحاول البعض منا محاربتهما بالذكرى وتدخل الصورة كأساس لحفظ وتجميد اللحظات التي عشناها، إذ تمثل الصورة شاهدا وموثقا للحظة الزمنية التي عبرتنا وتم اعتقالها عبر تثبيت الزمن وتحويله من حالته المائية إلى حالة الجمود. فهل الصورة استطاعت أن تسرق الزمن وتبقيه جامدا، وكلما أردنا استرجاع أيامنا أخرجنا صورنا لنعيد للزمن جريانه؟ ربما فعلت الصورة ذلك، ولكنه فعل مقتصر على نفسك أو على من كان قريبا منك، حيث تنثر ذكرياتك وتستعيدها على مهل، إلا أن وسائل التقنية الحديثة حولت ذكرياتنا إلى كنوز مشاعة يتشارك في اقتسامها من نعرف ومن لا نعرف، ففي هذا الفضاء الواسع تصبح الصورة المبثوثة ملكا مشاعا ليس لها نكهة الخصوصية، وقد يتجرأ أحدهم ويحور في تلك الصورة عابثا أو منتهكا خصوصيتها أو متعاملا معها بلا مبالاة ولا تعنيه بما تحمله من ذكريات لصاحبها. وأمام سيلان ذكرياتنا بين الآخرين من خلال وسائل التقنية انتصر الكثيرون لخصوصيتهم ومن خلال الأداة نفسها نفسها، إذ استطاعت هذه المواقع تجميع شتات أصدقاء الأمس الذين فرقت بينهم الأيام والليالي وجرت بهم في مناكبها، فمن خلال ساحات (الوتس أب) تولدت قروبات عديدة وأخذ كل إنسان يبحث عن رفاق الصبا والشباب واستعادة ذكريات الأمس، وقد استطاع هذا الفضاء جمع ما لا يجمع، حيث قرب المسافات والقلوب التي ابتعدت لعقود من السنوات وحضرت الصورة كعنصر مشترك يتقاسمون فيه ذكرى الأمس. وغدا الكثيرون منجذبين لقروب يجمع شتاتهم بعد أن فرقت الأيام بينهم لاستعادة حلاوة وطلاوة طفولتهم وشبابهم وما أحدثته الأيام من تغيرات وتسابق الجميع في نشر صور تلك المرحلة العمرية التي جرفتها السنين وتقاسموا أمنية لو أن الزمن يعود. وهي الأمنية التي لا تتحقق وإن استطاعت الذكرى استرجاعها، فهو استرجاع خاص يشعرنا بعقارب ساعات سلفادور دالي بأننا غدونا ماء سال واقترب من مصبه.

مشاركة :