تجديد شباب السعودية: جدلية القوة والمسؤولية والتحدي والفرصة

  • 6/25/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

منذ ثلاثة عقود، كنتُ، وزملائي، طلابًا في أول دفعةٍ تَدرُسُ تخصص علوم الكمبيوتر في جامعة الملك عبدالعزيز في مدينة جدّة. كان هذا قبل الانتقال، في مراحل لاحقة إلى دراسة علوم السياسة والإعلام الجماهيري، لكن ذلك التخصص الفريد ترك في تكوين الشخصية، وطريقة التفكير في العالم، وكيفية فهمه والتعامل معه، أثرًا متميزًا لدرجةٍ كبيرة.وقتَها، ذكرَ أستاذُ مادة (البَرمجة) عبارةً قال إنها بمثابة قانونٍ عام، ينطبق على لغات برمجة الكمبيوتر المختلفة في قُوتِّها، لكنه ينطبق أكثر على الحياة البشرية للأفراد والمؤسسات والدول والحكومات. «كلما زادت قُوتكَ وقُدرتك، زادت معها طردًا مسؤوليتك»، قال الأستاذ.كان هذا أول ما تبادر إلى الذهن مع سماع المراسيم الملكية في السعودية منذ أيام. لا يقتصر الأمر على تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، بكل ما يحمله القرار من آفاق وتطلعات، وإنما أيضًا على صعود جيلٍ من المسؤولين الشباب إلى مواقع صناعة القرار في مجالات مختلفة.فالشباب بحد ذاته قوةٌ لا يُستهانُ بها، وتحديدًا في قيام واستمرار الدول والحضارات. وبما أن للدول أعمارًا، فإن وضع هذه القوة في مثل تلك المواقع يعني تجديد عُمرِها، وضخَّ الحيوية والطاقة في حاضرها ومستقبلها. بل وإنشاء رافعةٍ جديدةٍ لإحداث نقلاتٍ كبرى واستثنائية فيها.لكن هذا الواقع نفسه يرفع أيضًا، بالضرورة، درجة المسؤولية المُلقاة على عاتق تلك القوة وأصحابها. والأرجح أن هذه الحقيقة كانت وراء الكلمة التي قالها الأمير محمد بن نايف لولي العهد، وهو يبايعه في المقطع الذي بات مشهورًا ورآه الملايين: «الله يعينك».نطرح الأمر من هذه الزاوية، في خضمّ الحماسة المشروعة للتغيير في المملكة، لنربطه برؤيةٍ سياسية شمولية، ما من شكٍ أن التفكير بها موجودٌ وقائم، لكن التذكير بها نافعٌ على الدوام، خاصةً بوجود عنصرين في غاية الحساسية.فمن ناحية، يُعتبر تحدّي التخطيط لبلدٍ/ قارة بحجم المملكة أمرًا في غاية الخصوصية. خاصةً حين يتضمن التخطيط المذكور استقراء حجم وأبعاد وطبيعة التغييرات الهائلة الحالية والمتوقعة فيها داخليًا، وحجم النقلات (الطَّفرية) التي تَشهدُها وستشهدها في كل مجال، وتلك قضايا عادةً ما تُصيب المخططين بالدوار. يزيد الأمر حساسيةً حين ندرك أن هذه التغييرات تأتي في خضمّ تفاعل بلدٍ (استثنائي) مع متغيرات وظروف إقليمية وعالمية (استثنائية)، وفي وجود قرارٍ سياسي بممارسة درجات (استثنائية) من الانفتاح والتطوير والإصلاح، كما ظهر ويظهر من رؤية 2030 المعروفة.والمعادلةُ تلك حساسةٌ ومعقّدةٌ وكبيرة، بحيث يمكن كتابة صفحات مطولة حول دلالات الجُمَل القليلة السابقة. لكن، يكفي في هذا المقام التأكيد بأنه: إذا كان هناك من لا يُحسد في السعودية اليوم، فهم القائمون على التخطيط، لأن مسؤوليتهم أكبر من كل وصفٍ وتحليل.وقد يظهر جزءٌ من تلك الدلالات عند الحديث الضروري عن حجم التوقعات العالي جداً لدى المواطنين. وهي توقعاتٌ تُظهر الدراسات، من تجارب الدول الأخرى، أنها كثيرًا ما تكون أقربَ لانتظار (المعجزات) السريعة والعاجلة من ناحية، كما أن تلك التوقعات قد لا تنتبهُ، من ناحيةٍ أخرى، إلى حجم الصعوبات والتحديات التي تواجه كل صانع قرارٍ في العالم، حتى في أكبر دُوَلِهِ وأقواها.. وهذه مسائل يمكن العودة إلى تفاصيلها في مقالاتٍ قادمة.لا يمنع هذا إطلاقًا من تأكيد الارتباط بين نجاح المشروع السياسي من جهة، وتحقيق الآمال التي انبثقت من التغيير، وكانت من أسبابه أصلًا، من جهةٍ ثانية. وتحديدًا في مجالات الاقتصاد والتنمية، والتطوير الإداري والثقافي والاجتماعي، بكل ما يدخل في هذه المسارات من فعاليات بشرية متعددة في المجتمع السعودي.ينطبق هذا أيضًا على القضايا الخارجية، وخاصةً المصيرية منها، كما هو الحال في محاصرة إيران وعملائها بشكلٍ جديٍ وفعالٍ ومباشر، وعدم السماح لها باستعمال الظروف والمتغيرات في توسيع دوائر نفوذها وقوتها.وباجتماع الإنجاز الملموس في السياستين الداخلية والخارجية، لا تثبتُ فقط صوابية الرؤية التي كانت وراء التغيير، وإنما تتجذرُ معه مشروعيةٌ سياسيةٌ حساسةٌ وعميقة، تبقى على الدوام الضمان الأكبر للاستمرار وللاستقرار.

مشاركة :