بعد عام على تصويت البريطانيين لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي (بريكست) في آلية انطلقت للتو، ما زال القادة الأوروبيون يأملون ألا تبلغ العملية خاتمتها النهائية فعلا. حيث فوجئ العالم في 23 يونيو/حزيران الماضي بتصويت البريطانيين بأكثرية ضئيلة من 52 صوتا مقابل 48 لصالح إنهاء «قرانهم البائس» عبر بحر المانش المستمر منذ أربعة عقود. وبعدما أطاحت نتيجة الاستفتاء بحكومة ديفيد كاميرون، ما زالت تيريزا ماي التي خلفته تترنح نتيجة الضربة الكارثية التي تلقتها في نتائج الانتخابات التشريعية قبل أسبوعين، إذ كانت تمني نفسها من وراء الدعوة لانتخابات مبكرة بتعزيز سيطرة حزبها على البرلمان وتثبيت موقعها في مفاوضات بريكست مع الاتحاد الأوروبي. لكن الناخبين لم يشاطروها الرأي فقضوا على أكثرية حزبها المحافظ البرلمانية، ما جدد الغموض بشأن آلية الانفصال.وبدت الشكوك جلية منذ صدور نتائج الاستفتاء، حيث اقتصر تصويت البريطانيين على قرار المغادرة بلا أي تحديد لصيغته.وعزت مؤسسات استطلاعات الرأي النتيجة إلى حد كبير إلى غضب البريطانيين المنهكين بسبب التقشف من ضعف ضوابط الهجرة في سائر الاتحاد الأوروبي، وإلى الرغبة في تعزيز السيادة الوطنية. وفسرت ماي ذلك بما عرف بتسمية «بريكست قاس» يلغي حرية حركة الأفراد من الاتحاد الأوروبي فيما يحرم بريطانيا من عضوية سوق الاتحاد المشتركة.وقدمت ماي في مارس/ آذار وثائق إبطال العضوية استنادا إلى المادة 50 من معاهدة روما المؤسسة للاتحاد الأوروبي، التي تحدد كذلك مهلة عامين لسريان الانفصال.لكن المفاوضات لم تنطلق إلا الاثنين الماضي، ما يقلص المهلة الزمنية لتوصل الطرفين إلى اتفاق على مجموعة ملفات واسعة. حلم الاتحاد تشدد المعارضة العمالية التي استعادت الزخم، ووزير مالية ماي فيليب هاموند على ان البريطانيين لم يصوتوا ليتم إفقارهم، ما يثير حيرة السياسيين الأوروبيين في بروكسل إزاء نوايا البلد الفعلية.وذكر رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في حديث مع صحفيين أصدقاء بريطانيين له سألوه بشأن احتمال بقاء بلدهم في الاتحاد في النهاية.وقال توسك «قلت لهم ان الاتحاد الأوروبي بني في الواقع على أحلام بدا تحقيقها مستحيلا». وأضاف «لكن من يدري؟ فقد أكون حالما، لكنني لست الوحيد» مقتبسا من أغنية «ايمادجن» لجون لينون. وأدلى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ووزير المالية الألماني سيجمار غبريال تصريحات بالاتجاه نفسه.لكن بعد عام على الاستفتاء، بات الجدل في بريطانيا أكثر تركيزا على الصيغة التي قد يتخذها بريكست بشأن آلية الانفصال، خصوصا الاختيار بين الانفصال «الخشن»، و«المرن» الذي يحتفظ بالعضوية في السوق المشتركة.ودعا هاموند هذا الأسبوع إلى اتفاقات انتقالية على سنوات لتخفيف الصدمة على قطاع الأعمال البريطاني بعد قطع طريقه السهلة إلى السوق الأوروبية، الأهم لصادراته.وقال «نحن نقبل على مغادرة الاتحاد الأوروبي لكن عند شراء منزل جديد، لا ينقل المرء بالضرورة مجمل الأثاث يوم شرائه إنها آلية تدريجية».صعوبة الانفصال عكست استطلاعات الرأي تأييد أكثرية البريطانيين لاحترام نتيجة الاستفتاء، بما في ذلك في أوساط الذين صوتوا للبقاء في الاتحاد الأوروبي في العام الفائت. ورغم خروج حزب العمال معززا من الانتخابات التشريعية الأخيرة، أيد المضي في العملية لكن بأسلوب يركز على الوظائف ومستوى المعيشة. هذا ناهيك عن المستنقع الدستوري المنبثق عن تبعات بريكست. فقد أشارت ماي الأسبوع الفائت إلى ضرورة استشارة برلمان مقاطعة إسكتلندا التي تتمتع بحكم ذاتي، حول صيغة الاتفاق النهائي، علما أنها صوتت في العام الفائت لصالح البقاء على عكس مقاطعتي انجلترا وويلز. وتبقى نقاط غموض كثيرة مع اتخاذ الانفصال صيغته الرسمية في الأشهر المقبلة، منها ان كانت حكومة ماي ستصمد إلى نهاية العملية. قبل الانتخابات كان الاتحاد الأوروبي يتوقع اقتراحات بريطانية بصيغة «بريكست قاس». لكن الاستحقاق شكل تحالفات جديدة بين الناخبين قد تخل بخطط المتحمسين للانفصال. وكتب مدير مركز البحوث «المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة» أناند مينون في دراسة جديدة «جرت تغيرات سياسية عميقة وجوهرية منذ الاستفتاء، ويبقى السؤال بشأن مدى استدامتها».أضاف الباحث «من الصعب، ان لم يكن مستحيلا بعد الانتخابات المبكرة، معرفة الاتجاه الذي ستسلكه مفاوضات بريكست. كما ان الموقف الذي سيتخذه برلماننا المنقسم بحدة، بين الأحزاب وضمن كل منها، سيرتدي أهمية محورية يستحيل التنبؤ بها». (أ ف ب)
مشاركة :