المواسم الدينية تفرح الصغار وترهق الكبار بقلم: عبدالستار الخديمي

  • 6/25/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

عيد الفطر يبقى محطة أسرية واجتماعية هامة للمحافظة على العادات والتقاليد والتي وإن اختلفت فإنها تصبّ جميعها في خانة توطيد العلاقات الاجتماعية سواء داخل الأسرة الواحدة أو على نطاق اجتماعي.العرب عبدالستار الخديمي [نُشر في 2017/06/25، العدد: 10674، ص(21)] على قدر ما في الأعياد والمواسم الدينية والاجتماعية من مظاهر احتفالية خلابة تشي بما تسبغه على العائلات والمجتمعات من أوقات سعيدة تساهم في تجديد طاقاتها الإيجابية وفي توطيد عرى الودّ والمحبة بين أفرادها، فإنها أيضا ترهق الميزانيات وتثقل كاهل أرباب الأسر فيلتجئون إلى الاقتراض والتداين مما ينغص عليهم وعلى أطفالهم لذة الأعياد. عيد الفطر موسم ديني اتخذت الاحتفالات به أشكالا اجتماعية وشعبية وحتى حضارية مختلفة، فاختلط الحابل بالنابل، وأضحى الديني اجتماعيا أو لندقق العبارة فنقول إن المناسبات الدينية أصبحت مناسبات اجتماعية مغلفة بطابع ديني. كل الأسر دون استثناء وبأخذ الفوارق الطبقية والمادية في الحسبان، تستعد استعدادا خاصا لاستقبال العيد، فينتهي البعد التعبدي بصلاة العيد لتدخل العائلات في نسق احتفالي اجتماعي-شعبي بحت. العبارة المتداولة والتي اتخذت شكل القول المأثور “العيد الصغير (الفطر) عيد الصغار (الأطفال)”. ولذلك تبعات مادية واقتصادية كبيرة على الأسرة. فيتجشم عائلها المصاعب ولا تكفيه موارده المالية القارة من توفير ما يشتهيه أفراد أسرته وخاصة الصغار، لأنهم صغار بحيث لا يستوعبون معاناة الكبار. همهم ارتداء ملابس جديدة يتباهون بها أمام أقرانهم. وغايتهم تحلية بطعم العسل بحلويات العيد المخصوصة نذكر البعض منها كـ”المقروض” و”الغريبة” و”كعك الورقة” و”البقلاوة “و”وذنين القاضي” وغيرها كثير بتسمياتها المختلفة باختلاف الأمكنة. شراء اللعب لازمة لا مفر منها أيضا، فالأطفال لا يحلو لهم عيد دون عبث طفولي عفوي تغيب فيه حسابات الكبار، فاللُّعَبُ يجسد من خلالها الأطفال أحلامهم الصغيرة، بدمية أو أو عربة.. كل المدن العربية والإسلامية تشهد نمطين من الاحتفالات. الأحياء الشعبية نلمس فيها الطابع الاجتماعي-الجماعي من خلال تشارك الأسر في صنع الحلويات والاصطفاف في طوابير أمام الأفران لطهيها، واقتناء الملابس واللعب من الأسواق الشعبية والأسبوعية والتي تشهد زخما من الحركة غير عادي. في الأحياء الشعبية يقوم الناس بمعايدة بعضهم البعض في جوّ حميمي ملؤه الودّ والوئام والانسجام. يخرج الأطفال في هذه الأحياء ليتشاركوا لذة اللعب الجماعي، يركضون في الأزقة والأنهج الضيقة، يستعرضون ملابسهم وألعابهم في خيلاء وقد جمعتهم محبة بريئة. يوم العيد في مثل هذه الأماكن يوم الزيارات والمعايدة، الجميع يسعى إلى إحياء الروابط الاجتماعية على اختلافها؛ صلة الرحم والجيرة والصداقة والزمالة. تحسّ في عيد الفطر أن العواطف تشحن من جديد وتمتد جسور الودّ بين الناس وتنسى الأحقاد والصراعات، وتصفو القلوب. أما في الأحياء العصرية الراقية فيختلف الأمر. لا معايدة ولا زيارات ولا لقاءات إلا ما قلّ وندر. الجيران يلقون التحية والمعايدة متى وجدوا أنفسهم مدفوعين إلى ذلك دفعا، عند الخروج أو الدخول مصادفة ودون سابق تدبير. الأطفال لا يؤثثون هذه الأماكن عادة أيام العيد، فآباؤهم يصطحبونهم إلى الحدائق والملاهي ومدن الألعاب والفنادق والمنتجعات. إنه نمط عيش الأغنياء ولا تبقى من العلاقات الاجتماعية إلا ما تعلق برابطة الدم ولو كان ذلك محتشما. مناسبات الأعياد ترهق العائلات مهما كانت دخولها خاصة إذا تتالت هذه المناسبات وترافقت مع متطلبات مادية أخرى، مثل مصاريف شهر رمضان والتي تتضاعف عادة، ولوازم الاصطياف ثم العودة المدرسية. فيلتجئ أرباب الأسر إلى الاقتراض من البنوك أو من الأشخاص، وتتواصل الدورة في مدّ وجزر حتى أن بعض الأسر لم تستطع تجاوز تداينها مما قد يخلق مشكلات اجتماعية أخرى قد تعود بالسلب على علاقات أفرادها، هذا طبعا إذا ما لم تقم بترشيد نفقاتها. الاحتفالات بالأعياد، ومهما طغى عليها الجانب الاجتماعي فهي لا تزال تحافظ على أبعادها الدينية. ويبقى عيد الفطر محطة أسرية واجتماعية هامة للمحافظة على العادات والتقاليد والتي وإن اختلفت فإنها تصبّ جميعها في خانة توطيد العلاقات الاجتماعية سواء داخل الأسرة الواحدة أو على نطاق اجتماعي. بقي أن نشير إلى أن تكنولوجيا التواصل الحديثة لعبت دورا مزدوجا في هذه المناسبات، فالمكالمات والإرساليات القصيرة وغيرها ساهمت في تقريب الأشخاص وتمتين العلاقات فيما بينهم، فهم في تواصل مستمر بأقل تكاليف وفي أسرع وقت. ولكنها أرست الكسل فأضحى الناس لا يرون بعضهم البعض لأشهر أو حتى لسنوات ويكتفون بالمعايدة الرقمية. كاتب تونسيعبدالستار الخديمي

مشاركة :