رؤية متفائلة جدا لصيرورة الثورات العربية بقلم: عبدالستار الخديمي

  • 6/2/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

على النخب الفكرية وأصحاب السلطة أن يعوا بأن عليهم المثابرة لإصلاح ومراجعة وتقويم المسار الثوري إذا اعوج دون ارتداد أو ردة.العرب عبدالستار الخديمي [نُشر في 2017/06/02، العدد: 10651، ص(4)] اندلعت شرارة الثورات العربية من تونس باندلاع شرارة النار التي التهبت في جسم محمد البوعزيزي ذات شتاء 2010 /2011 في محافظة سيدي بوزيد. واتخذت شكل النار التي تؤججها الرياح فتوسعت رقعتها، فطالت مصر وليبيا وسوريا واليمن. وبقطع النظر عن مسارات هذه الثورات ومآلاتها الداخلية والخارجية، طرح سؤال جوهري ومنطقي، بمرجعيات سياسية وفكرية ودينية واقتصادية، وبشكل أشمل حضارية: هل انتفض العرب ضد ما كان يكبلهم (مهما كان مأتاه ومصدره) ليتحسسوا طريق تأسيس وتأصيل أنظمتهم الديمقراطية؟ بالعودة إلى تصفح أغلب ما دوّن أو سمع أو قرئ، خلال السبع سنوات الماضية، منذ اندلاع الثورة في تونس نلاحظ أن التوجه التشاؤمي طغى على كل التحليلات والنقاشات والمجادلات وكذلك الخصومات. الأمر يبدو طبيعيا إذا ما عددنا الأزمات مختلفة المشارب التي شهدتها ولا تزال بلدان الربيع العربي. وصل الأمر، في أحلك فترات التشاؤم، إلى التنديد بالثورة والثوريين. بل تفاقم الأمر في البعض من المحطات إلى مباركة الأنظمة الدكتاتورية السابقة علنا. لسائل أن يسأل: ألم تغير الثورات العربية حياة الناس في البلدان التي شهدتها؟ ألم ينعم هؤلاء بالحرية ونفض غبار الدكتاتورية والتسلط باسم الحاكم الواحد والحزب الواحد؟ المجتمعات العربية تنقسم إلى شرائح وفئات، تختلف تعليما وثقافة وفكرا ورؤى. النخب المثقفة قليلة العدد ومغيبة أو متعالية أو مستقيلة، ولا تريد الخوض في الشأن العام إلا بما يوافق هواها. أما بقية الشرائح وهي الممثلة للسواد الأعظم من هذه الشعوب، ليس لديها بعد النظر، ولا تهتم بالتأسيس والتأصيل لأجيال قادمة. همّها، بل انتظاراتها من الثورة، أن تحقق ربحا آنيا براغماتيا لا يتجاوز متطلبات العيش اليومية. “القفة” والقدرة على مجابهة الالتزامات المادية اليومية، لتسير القاطرة في هدوء. السقف الأعلى لهؤلاء “خبز وأمن”. انجرّت الفئات المحرومة والمسحوقة وراء هذا الهدف المعلن فأهدت أصواتها الانتخابية على طبق من فضة لمن أوهمها برغد العيش، لمن استطاع أن يدغدغ مشاعر الحاجة لديها. وأكبر المستفيدين من ذلك تيارات الإسلام السياسي التي عرفت كيف تزاوج بين الحاجة المادية والدين. الانتهازيون من الليبراليين واليساريين أيضا استغلوا فقر هؤلاء بوعودهم الوردية. الظاهر للعيان أن الثورات العربية لم تسفر إلا على المتاعب. أزمات اقتصادية وأمنية متتالية تشهدها تونس. ليبيا بؤرة إرهاب وتشرذم وتطاحن ميليشيوي مقيت. مصر مرت بثورتين كانت نتيجتهما إرهابا يضرب في كل حين وانقساما شعبيا ومعاناة اقتصادية رهيبة. اليمن بدوره انقسم واستبيحت فيه الشرعية والدولة بعناصرها ومؤسساتها. سوريا تخوض حربا أهلية طاحنة لسنوات ولا وجود لبصيص من الأمل للخلاص. الرؤى الآنية المتعجلة تدين الثورات وتسعى إلى محو آثارها بالعودة إلى منطق “الذي كان سائدا أفضل مما وصلت إليه الأحوال”. هي رؤى موضوعية قياسا بما حصل، ولكن غاب عن هؤلاء أن الثورة الفرنسية بقيت تتفاعل ما بين الحرية والقهر والعنف ما يربو عن قرن من الزمن. ثم أسست للحضارة المدنية الحديثة وإنجازاتها الرهيبة في مجالات حقوق الإنسان والحريات والتكنولوجيا وطرق العيش، والكلام يطول في هذا الباب. دور النخب جسيم في هذا الظرف بالذات. عليها أن تقود وتتحلى بشروط القيادة الصحيحة. الأزمات ستجد طريقها إلى الحل. والأدلة واضحة، تونس تؤسس فعلا لديمقراطية “ناشئة” ولكنها ستتخذ دور القيادة في محيطها العربي. ستكون منارة وسترشد محيطها العربي والإسلامي إلى التعايش السلمي وفق ديمقراطية المؤسسات. الثورة نجحت لأنها علمتنا كيف نتصارع وضمن أي الأطر نتخاصم، ومتى ننسى أحقادنا، ومتى لا ننحني. الثورة علمتنا أن الطريق طويلة متشعبة، وأن الصبر والمثابرة طريقا النجاح والفلاح. فقط على النخب الفكرية وأصحاب السلطة الذين وصلوها عبر صناديق الاقتراع وأصحاب المال ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني أن يعوا بأن عليهم المثابرة لإصلاح ومراجعة وتقويم المسار الثوري إذا اعوجّ دون ارتداد أو ردّة. الصراع في تونس -كنموذج لديمقراطية ناشئة- أصبح يدار بطريقة عقلانية، في الشارع أو في الحوارات الصحافية أو حتى خلال الصدامات، والأهم من كل ذلك أصبح الصراع “مدسترا” يدار بشفافية تحت قبة مجلس نواب الشعب رغم الاختلافات المرجعية والأيديولوجية لمنتسبيه. سقطت في تونس صورة الحاكم المفرد المقدس. لا قداسة الآن في تونس إلا للدين. الكل في مرمى النقد. لا حصانة لأحد -رغم أنها لا تزال موجودة لدى البعض- في مطلق تفكير التونسي. الثورة نجحت في تونس لأنها تؤسس ولا تزال تؤسس، لأنها تصلح ولا يزال التونسيون يخطئون ولكنهم تعلموا بنسبة مرتفعة كيف يحافظون على وطن باختلافاتهم وصراعاتهم. بعد عقد من الزمن ستكون تونس ومن ورائها الدول العربية الطموحة إلى التغيير الإيجابي والمثمر رائدة. وستكون الأزمات قد تلاشت على اختلافها. هي الرؤية المتفائلة الموضوعية لمآلات الثورات العربية دون أن نغتصب حق المحرومين من هذه الشعوب. وأكبر معلم هو التاريخ، لنتعلم ونفكر ونؤسس. كاتب من تونسعبدالستار الخديمي

مشاركة :