عندما تكتسي لغة الصحافة بالخيال الأدبي ـ

  • 6/25/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لم تكتس اللغة الصحافية اليوم بالخيال الأدبي، ليس لأن الأدباء دائما صحافيون فاشلون لا يتنازلون عن غرورهم، بل لأن الصحافيين أيضا مباشرون في لغتهم إلى درجة لا يحتفون بخيال اللغة عند الحاجة إليه، ويكتفون بسهلها غير الممتنع، في نوع من الخشية يفسر تحت بند المهنية والموضوعية والحياد! وهي مسميات ليست صالحة دائما عند الكتابة، فالصحافة لا تنتهي بالخبر وأدواته التقليدية، ثمة ماهو أكثر يفرضه المحتوى المتميز بعد أن قتل المواطن الصحافي الخبر وصنعه لحظة حدوثه على منصته الاجتماعية. لست مفرطا في التفاؤل أكثر مما ينبغي كي أطالب كتاب الأعمدة الصحافية أن يجعلوا من اللغة بنك أحلامهم، كما كان يفعل الروائي والفيزيائي أرنستو ساباتو، لكنهم بحاجة إلى ما كان يرتديه غارسيا ماركيز عند الشروع بالكتابة، بدلة العمل تماما مثل الميكانيكي، من أجل إعادة تركيب العلائق بين الكلمات وصنع المحتوى، فاللغة الجاهزة لا تحتاج بدلة عمل، إنها متوفرة ويتداولها الناس في المقاهي والأسواق. البراعة تكمن في إعادة صناعة هذه اللغة. تصنع لوسي كيلاوي الكاتبة الصحافية في فايننشيال تايمز التي تحولت إلى مُدرسة رياضيات، إلى ما يشبه تلك اللغة في مقالاتها الصحافية عندما ترفض كلمة “نعم” بشكل متطرف. وتعيد اكتشاف قوة الرفض ذات التأثير الكبير على الحياة و”كيف يمكن الإجابة بالرفض دون الشعور بالذنب”. بالتالي، الإجابة بكلمة “لا” لا تحظى بالمكانة الطائشة نفسها التي يحظى بها الفشل، الذي ظل الجميع مصرين على الاحتفال به منذ عقد من الزمن على الأقل. لوسي مثل الراحل أمبرتو إيكو تحتفي بقوة اللغة في مقالات صحافية وليست كتب فلسفية عصية على الفهم، وهي مقروءة بدرجة كبيرة من قبل قراء صحيفة فايننشيال تايمز. لذلك تبدو لي مثالا متميزا عندما أعود إليها في الدعوى من أجل أن تكتسي لغة الصحافة بالخيال الأدبي. يبدو لي أن السؤال الأهم الذي ينبغي على كتاب الأعمدة الصحافية إطلاقه على أنفسهم بشكل دائم، “لست مضطرا للكتابة إلا عندما تتوفر الفكرة الجديدة”، لكن -ويا لسوء حظ القراء- أغلبهم يكتبون اليوم تحت هاجس الاضطرار!   كرم نعمة karam@alarab.co.uk

مشاركة :