تكاد مسألة تجارة شركات إسرائيلية خاصة بإنتاج السلاح وبيعه إلى معظم دول العالم تضاهي، من ناحية التكتم الرسمي والإعلامي عنها، التعتيم على «المفاعل النووي» في ديمونة، على رغم سن «قانون الرقابة على التصدير الأمني» قبل تسع سنوات، والذي قضى بوجوب مراقبة تجارة السلاح. ويبدو أن ضلوع مسؤولين عسكريين سابقين رفيعي المستوى في هذه التجارة المربحة التي نقلت إسرائيل إلى مرتبة متقدمة في قائمة الدول العشر الأكثر تصديراً للسلاح، قد يكون السبب الرئيس في عدم الخوض في هذه المسألة علانية، فحتى الإعلام المعروف بتحقيقاته الصحافية الجريئة يتفادى الكتابة عن الموضوع، ربما حرصاً على سمعة «البقرة المقدسة»، أي «المؤسسة الأمنية». ولجأت النائب اليسارية من حزب «ميرتس» ميخال زاندبرغ إلى موقع «العين السابعة» الذي يرصد الإعلام الإسرائيلي، لتكتب مقالاً قبل يومين ينتقد غياب الرقابة الحقيقية على تجارة الأسلحة، ولتحذر من أن إسرائيل «تبيع أسلحة لأنظمة ديكتاتورية» في أرجاء العالم، متهمة الحكومة والإعلام بأنهما «لا يريدان التشويش على تجار الأسلحة الإسرائيليين»، وأن الإعلام فرض على نفسه «رقابة ذاتية» بعدم النشر عن واحدة من أكبر صناعات التصدير الأكثر تطوراً والأكثر سريةً في الآن ذاته. وتتباهى إسرائيل بالشهرة التي تحظى بها مؤسستها الأمنية وصناعاتها العسكرية دولياً، كونها دولة تكنولوجية متقدمة جداً ومصدّرة بارزة للأسلحة والبرامج والنظم الإلكترونية المختلفة وصناعة صواريخ وبناء وإعادة تأهيل طائرات حربية، حتى لدول عظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا، «فتحقق شعوراً من الهالة الأمنية والفخر الكبير»، كما تقول زاندبرغ. ووفق تقارير رسمية لا تخوض في التفاصيل، فإن أكثر من 200 شركة إسرائيلية تصدر أكثر من 500 نوع من الأسلحة الإسرائيلية إلى أرجاء العالم، وأن نطاق هذه التجارة اتسع في شكل لافت في السنوات الأخيرة وحقق العام الماضي مبيعات بنحو 6.5 بليون دولار. وتتكتم المؤسسة الأمنية عن أسماء تجار الأسلحة الذين حصلوا على تراخيص تصديرها بداعي أن عسكريين سابقين كباراً ضالعون في التجارة، كما لا تنشر تفاصيل صفقات أبرمت ولا أسماء الدول التي يتم التصدير إليها. وتعزو زاندبرغ انعدام الشفافية والرقابة عن غالبية الصفقات إلى حقيقة أن من يفترض أن يراقبها هم ضباط في المؤسسة الأمنية زملاء سابقون للضباط الذين خلعوا البزة العسكرية وتقاعدوا وانتقلوا للاتجار بالأسلحة، لتضيف أن أكثر ما يؤرقّها «حقيقة أننا نبيع أسلحة لأنظمة ديكتاتورية ودموية، فضلاً عن مخاوف من صفقات مشبوهة بالرشاوى». وكان تقرير نشر قبل ثلاث سنوات أفاد بأن إسرائيل تصدّر الأسلحة إلى نحو 130 دولة، ما استدعى علامات استفهام لدى منظمات حقوقية ونواب من اليسار تساءلوا عن هوية هذه الدول وحقيقة أنه لا توجد في العالم 130 دولة ديموقراطية، «ما يعني أن الأسلحة تصدَّر إلى دول أنظمتها دكتاتورية بل دموية، بلا رقيب أو حسيب، فيما نحن الإسرائيليين لا نعلم شيئاً عن ذلك، ومن حقنا أن نعرف كيف يُستخدَم هذا السلاح وأين»، كما أضافت زاندبرغ. واستذكرت أمثلة كثيرة عن قيام إسرائيل في العقود الماضية ببيع أسلحة «لأنظمة ديكتاتورية استعملت السلاح لانتهاك حقوق الإنسان وملاحقة مواطنين أبرياء، وحتى تنفيذ جرائم ضد الإنسانية». وأوردت «مثالاً صارخاً» على مواصلة بيعها السلاح لجنوب السودان الذي «يعيش حرباً أهلية دموية وعمليات تطهير عرقي وفق تعريف الأمم المتحدة»، على رغم الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على بيع السلاح للسودان كي لا يشكل وقوداً لمواصلة الحرب. كذلك بيع الأسلحة للميليشيات المختلفة في معظم دول أفريقيا وعدد من دول آسيا، في مقدمها بورما. واختتمت متمنيةً أن «يصحو الجمهور الإسرائيلي ويدير نقاشاً في هذا الموضوع».
مشاركة :