رأى المحلل السياسي مكسيم يوسين أن الإنذار، الذي وجهته السعودية وثلاث دول عربية أخرى إلى قطر، كان مفيدا؛ لأنه سمح بمعرفة جوهر النزاع والنوايا الحقيقية لأطرافه. ويقول يوسين، في مقاله الذي نشرته صحيفة "كوميرسانت" الروسية، إن الإنذار كشف بالدرجة الأولى موقف الطرف، الذي أثار الخلاف غير المسبوق بين ممالك النفط والغاز في الخليج – المملكة العربية السعودية وحلفائها. ويضيف أن الخلاف مع قطر لم يكن بسبب ارتباطاتها بفصائل إرهابية مثل "القاعدة" و"داعش" وغيرهما. فهذا الأمر لا يقلق السعوديين أو حلفاءهم على الإطلاق، بل إن حقيقة ما يقلقهم هو السياسة الخارجية المستقلة التي تنتهجها قطر وعلاقتها مع إيران الشيعية وتركيا، مع الإسلام السياسي وممثلته الأبرز حركة "الإخوان المسلمين". فالإسلام السياسي بالذات، كما يقول الكاتب، يضع السلطات الملكية المطلقة، التي وهبها الله للملوك والأمراء والشيوخ، في موضع الشك. ولعل هذا هو ما يمثل التهديد الأكبر للسعودية والإمارات. ولذلك، لم تؤيد الرياض اعتلاء "الإخوان المسلمين" سدة السلطة في مصر بزعامة الرئيس محمد مرسي عام 2012، في حين أن الدوحة وعلى العكس من ذلك دعمتهم، وليس فقط ماليا، بل وإعلاميا: حيث تولت هذه المهمة قناة "الجزيرة" القطرية، الأكثر تأثيرا في العالم العربي، والتي أصبحت آنذاك بوق "الإخوان المسلمين" المصريين. أما بعد إطاحة الجيش المصري سلطةَ "الإخوان"، وتسلم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي زمام الحكم في مصر، فقد تحولت سياسة السلطة الجديدة في مصر بوجهها نحو السعودية. ويقول يوسين إن مصر لم تكن المثال الوحيد، لكنه كان الأكثر وضوحا للتنافس الجيوسياسي بين الرياض والدوحة، اللتين تمتلك كل منهما زبائنها في مجموعات المعارضة السورية. ويضيف الكاتب أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الممثل البارز للإسلام السياسي المقيت من قبل السعوديين، هو شريك للدوحة. وأخيرا إيران الشيعية - الخصم الإيديولوجي العنيد والأبدي للسعودية التي تعد نفسها زعيمة العالم السني. وإن سعي قطر لإقامة علاقات وطيدة مع آيات الله الإيرانيين نظر إليه الأمراء السعوديون كخيانة. وكانت هذه الحيثية الأخيرة القطرة التي أفاضت كأس الصبر السعودي، بحسب وصف صاحب المقال. لذلك، فإن متطلبات واضعي الإنذار لقطر كانت "محددة": خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، إغلاق القاعدة العسكرية التركية على أرض قطر وإغلاق قنوات الجزيرة. وفي حال تنفيذ قطر هذه الشروط، يقول الكاتب، سوف تصبح سيادة "إمارة الغاز" في غياهب النسيان، وستتحول واقعيا إلى "محمية" تابعة للجار الأقوى. أما بشأن موقف موسكو، فيرى الكاتب مكسيم يوسين أن موسكو تستطيع البقاء مطمئنة على الحياد، ومن دون أن تتشاجر مع أحد هنا، فهذا النزاع ليس نزاعها. ويذكِّر الكاتب بأن السعودية وقطر مولتا الجماعات المتطرفة في شمال القوقاز الروسي، وتواصلان تمويل المتطرفين في سوريا. ترجمة وإعداد: ناصر قويدر
مشاركة :