يمكنك أن تتابع أيضا كيف لم تترك قطر مبادرة إماراتية صناعية أو تجارية أو عمرانية أو ثقافية أو فنية إلا وسعت لتقليدها، وعملت على الإتيان بمثلها، ولو كلفها ذلك ما كلفها.العرب الحبيب الأسود [نُشر في 2017/06/28، العدد: 10675، ص(24)] من يبحث في سيكولوجيا الفعل السياسي القطري، سيكتشف منذ الوهلة الأولى أنها لا تخلو من الغيرة التي سرعان ما تنقلب من إيجابية نسبية إلى مشاعر الحسد القاتلة، تلك التي يعتبرها الفيلسوف بيرتراند راسل أحد أقوى أسباب التعاسة، حيث لا تقتصر التعاسة على الشخص الحاسد بسبب حسده، بل قد تصل إلى الرغبة في إلحاق مصائب بالآخرين. وإذا كانت ذاكرة الإنسان مليئة بقصص الغيرة والحسد، منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل، ورمى أبناء يعقوب أخاهم يوسف في الجبّ، فإن النموذج الذي تقدمه لنا دويلة قطر، يعتبر فريدا في عالم السياسة، وفي هذا الزمن بالذات، حيث من المفترض أن البشرية خرجت من خلفيات الدفع الجاهلي المقيت، إلى حالة التكامل بين الشعوب والدول والمجتمعات، خصوصا عندما يجمع بينها الجوار، فما بالك بالأخوة والصداقة ووحدة الانتماء والهدف والمصير. في الحالة القطرية، يبدو أن هذا المرض النفسي كان عاملا محددا للخيارات السياسية منذ زمن بعيد، ولكن الصورة اتضحت أكثر خلال العقد الماضي، حيث تلازمت الغيرة من دور السعودية الملائم لحجمها ومقدراتها وموقعها الروحي والحضاري والمالي والاقتصادي، ومن دور مصر المعبر عن عظمة تاريخها وعبقرية جغرافيتها وعنفوان إراداتها، مع الغيرة من نهضة الإمارات الملائمة للرؤية التي تأسست عليها دولة الاتحاد في العام 1971، والتي جعلت منها بلدا يسابق العصر فيسبقه، وينطلق نحو المستقبل حاملا آمال أمة بأكملها في التقدم والرقي والرفعة. يقول الكاتبان الفرنسيان جورج مالبرونو وكريستيان شينو في كتابهما «قطر: أسرار الخزينة» إنه عندما بادرت دبي بإنجاز جزيرة النخلة، أو الأرخبيل الاصطناعي الذي اتخذ شكل نخلة، سعت قطر إلى الرد بإنجاز مشروع اللؤلؤة الذي يضم 59 برجا مغروسا في البحر يضم مطاعم وفنادق وإقامات فاخرة، كما أن تأسيس متحفي اللوفر وجوجنهايم بأبوظبي، أثار غيرة المسؤولين بالدوحة، فقرروا إنشاء إثني عشر متحفا علاوة على متحف الفنون الإسلامية الذي صمّمهُ المعماري الياباني ‘بأي’، الذي أسس هرم اللوفر بباريس. يمكنك أن تتابع أيضا كيف لم تترك قطر مبادرة إماراتية صناعية أو تجارية أو عمرانية أو ثقافية أو فنية إلا وسعت لتقليدها، وعملت على الإتيان بمثلها، ولو كلفها ذلك ما كلفها، فكلما وضعت الإمارات قدمها في أرض ما، إلا وتبعتها قطر إما بحثا عن موقع وإما تخريبا لمنجز، ومع ذلك فإن نار الغيرة الموقدة بقيت على حالها، بل وتحولت إلى حرب خفية، ومؤامرات على أكثر من صعيد، جُيش لها كل من في قلوبهم مرض الكراهية وفي عقولهم نبت الإرهاب. الحبيب الأسود
مشاركة :