النفوذ الذي اعتقدت الدوحة أنها قادرة على ترسيخه بدعم ميليشيات الإرهاب في دول كالعراق وسوريا وليبيا، لا يمكن أن يكون على حساب دولة في حجم السعودية أو مصر أو الإمارات.العرب الحبيب الأسود [نُشر في 2017/07/01، العدد: 10678، ص(9)] لا شيء يوقف أطماع قطر في توسيع نفوذها، ذلك ما استنتجه الكاتبان الفرنسيان جورج مالبرونو وكريستيان شينو في كتابهما “قطر: أسرار الخزينة” الصادر في العام 2013 عن دار ميشيل لافون بباريس. يروي مالبرونو وشينو تفاصيل كثيرة حصلا عليها أثناء بحثهما عن الأسباب التي ساعدت على تحريرهما من العراق بعد اختطافهما في عام 2004. بحسب الكاتبين الفرنسيين، فإن قطر انتقلت من دبلوماسية دفتر الشيكات إلى تسليح المتمردين، إلى جانب توسيع الاستثمارات في العواصم الأوروبية حتى أن حكام الدولة لم يستثنوا أي مجال من استثماراتهم التي طالت الطاقة والصناعة والعقارات والإعلام وكرة القدم. ودفع ذلك بمالبرونو وشينو إلى طرح عدة أسئلة على غرار: لماذا تحاول قطر التسلل إلى المؤسسات الدولية مثل اليونسكو وجامعة الدول العربية؟ وهل يسعى هذا البلد من خلال تسلله المحموم هذا، ومن خلال دعمه للإسلاميين، إلى ضمان سلامة نفوذه؟ وكيف تمكنت قطر من إنشاء إمبراطورية ممتدة الأطراف، دون استخدام السلاح، فقط بشراء العالم من خلال احتياطاتها من النفط والغاز؟ المثير أكثر، أن المؤلفين اتجها إلى طرق أبواب أسوار القصور الضخمة أين تحاك الدسائس والمؤامرات، وخاصة من خلال قناة الجزيرة والمفاوضات مع الدول العربية والأجنبية، وكذلك من حيث الإغراءات المالية عبر الصفقات التي تعقدها قطر بعد أن ترفع دون أي مـوجب الأسعار إلى أعلى من حقيقتها، كما حدث مثلا عندما وقع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في غرام مركز كليبر، أكبر مركز للمؤتمرات في باريس، فدفع فيه 400 مليون يورو، في حين أن سعر المبنى في سوق العقارات لم يتجاوز 350 مليون يورو. اتجه سعي قطر لتوسيع نفوذها شرقا وغربا دون نظر لطبيعة الحجم والدور والجغرافيا والتاريخ، فما كان يدور في ذهن الحمدين بن خليفة وبن جاسم ومن ورائهما جموع المتسلقين، هو الاستفادة من ثروة الغاز في شراء الذمم، انطلاقا من مقولة معروفة لدى حمد بن جاسم وهي أن كل شيء يباع ويشترى، وأوله ضمائر الناس شرط القدرة على تحديد الأسعار. ولأن هناك ضمائر لا تباع ولا تشترى عكس ما يعتقد عرابو الخيانة، فإن قطر عملت على التحريض ضد كل من يقف في طريق مشروعها، والهجوم عليه سواء بالتكفير أو التخوين أو التشويه أو بالانقلاب المباشر عليه، كما حدث في ظل ما سمي بالربيع العربي. كان من الضروري أن يصطدم مخطط الوهم القطري بتوسيع النفوذ بحقائق التاريخ والجغرافيا. النفوذ الذي اعتقدت الدوحة أنها قادرة على ترسيخه بدعم ميليشيات الإرهاب في دول كالعراق وسوريا وليبيا، لا يمكن أن يكون على حساب دولة في حجم السعودية أو مصر أو الإمارات، انطلاقا من أن العراقة تثقل كواهل أهلها فتشدهم إلى الأرض لتحميهم من العواصف، كما أن المؤامرات التي حيكت في الغرف المظلمة قد انكشفت للعموم. إن تمرد قطر على مشيئة الجغرافيا جعل منها دولة لا منفذ لها إلا على الماء، فهي اليوم معزولة عن جيرانها الأقربين الذين ضاقوا ذرعا بمرّ خياناتها ومؤامراتها، وهي تماما كحليفتها المقربة إسرائيل المفتوحة بدورها على الماء، تواجه عزلتها على اليابسة. واليوم، تشعر قطر أنها عادت إلى حجمها الحقيقي الذي ما كان ليعيبها لو تعاملت معه بالرضا والقبول لا بالتمرد على مشيئة الجغرافيا، ولو أدركت أن موقعها كان يمكن أن يكون أرحب بكثير مما هي عليه، لو اختارت أن يكون في قلوب أشقائها وجيرانها. وبات على حكام الدوحة أن يتجاوزوا عنترياتهم السابقة، وأن يحاسبوا أنفسهم قليلا أو كثيرا، فالمهم أن يدركوا أنهم كانوا مخطئين في ما يدبرونه في غرفهم المظلمة، وأن يعترفوا بأن حساباتهم كانت خارج سياقات السياسة والاستراتيجية، إذ ليس من العقل أن يعادوا من حولهم في البرّ، ليتعلقوا باتجاه واحد على خارطة البحر، هو ذاته عدو لإخوة التراب وأشقاء الدم والمصير. قيل: لاشيء يوقـف أطماع قطـر في توسيع نفوذها، ولكن للخارطة أحكامها، وما على حكام الدوحة إلا أن يتراجعوا عن عنادهم، فبذلك فقط سيتجنبون المزيد من العزلة وسيعودون إلى الحراك نحو الجهات الأربع، لا نحو جهة واحـدة مفتوحة على الماء. كاتب تونسيالحبيب الأسود
مشاركة :