المعلوم من آليات التكفير بالضرورة بقلم: سعد القرش

  • 6/28/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بعث الروح في مقولة المعلوم من الدين بالضرورة صندوق باندورا الذي سيفتح شرور التطرف الرسمي والشعبي والعشوائي حينها لن يجدي اعتذار القائم بأعمال رئيس جامعة الأزهر.العرب سعد القرش [نُشر في 2017/06/28، العدد: 10675، ص(13)] لم أتوصل إلى أول من أطلق المصطلح الملغوم «المعلوم من الدين بالضرورة»، وبالبحث في اجتهادات من يرددونه الآن يسهل تعريفه بأنه الثابت من أصول الدين بدليل قطعي أو بالإجماع، «ولا يجحده إلا كافر». ربما كان من الأجدى التمسك بثنائية «الحلال بيّن والحرام بيّن» بنص الحديث النبوي، وتيسير الدين على المسلم بإرجاعه إلى الأصول، فأركان الإسلام خمسة، أما الحرام فنصوصه صريحة في القرآن الكريم القائل «اليوم أكملت لكم دينكم»، وما كان المسلمون في القرون الأولى بحاجة إلى الانتظار حتى ينتهي الإمام البخاري من جامعه الصحيح، أو يأتي مجتهد ليصك هذا المصطلح الذي يوسع دائرة الحرام والشبهات، ويجعل الدين وظيفة لها رجالها. يسارع رجال الدين إلى إنكار مصطلح «رجال الدين»، ويلصقونه بالمسيحية حين كانت للكنيسة وصاية على العقول وكلمة عليا حتى على الملوك. ولكن الممارسة تقول إن لدينا رجال دين، وإن غلوّهم وتضارب فتاواهم يوحيان بعدم ثقتهم بأن «هذا الدين متين»، ويكفي صموده في مواجهة مكائد بدأت بالمنافقين في المدينة، وقتال الخارجين على الدولة «حروب الردة»، وتنزيهه عن الفتنة الكبرى التي حارب فيها فريق من الصحابة فريقا آخر وقتل فيها عشرات الآلاف من المسلمين. ولو وعى رجال الدين حديث «إن الدين يسر، ولن يشاد الدينَ أحدٌ إلا غلبه» ما ضرهم إفطار صائم، أو إعلان مسلم عن إلحاده، وما كرسوا جهودهم للبحث عن معايير الردة، للحكم على مسلم بالكفر، وفاء لوظيفة «رجال الدين». في عام 2010 أغلق الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر هذا الباب قائلا «لا أؤمن بالردة». ولكنه استخدم إحدى سلطات الدولة المدنية «القضاء» في وقف برنامج «مع إسلام»؛ بحجة أنه «التطاول والهجوم على الشريعة الإسلامية والتراث الإسلامي»، فانتهز الغلاة هذه الأجواء الملتهبة، واتهموا إسلام بحيري بازدراء الأديان، فقضت محكمة عليه بالسجن خمس سنوات، ثم خفف الحكم في ديسمبر2015 إلى سنة. ما يراه بعض الغلاة من الشيوخ جحودا في خطاب إسلام بحيري ليس بأخطر على الدين من شرور استبداد سياسي يتستر بخطاب الدين ويتحالف مع رجاله، إلا إذا كان هؤلاء «الغيورون» يداعبون مشاعر العامة بتخويفهم من استهداف الدين؛ لينصرفوا عن الشأن العام، ويصبروا على سلطان جائر. ففي مايو 2017 قال أحمد حسني القائم بأعمال رئيس جامعة الأزهر في برنامج تلفزيوني إن إسلام بحيري تطاول على المذاهب الإسلامية وأئمتها، «إنه مرتد. ارتد (بهذا الكلام) عن الإسلام، لأن هؤلاء الفقهاء قيمة وقامة. ارتد لأنه يقوم بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة.. أما من ينتمون إلى داعش فلا أستطيع إخراجهم من الملة لأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله». فتوى غير مفاجئة إلا في طريقة التصريح بها، لا يختلف في الاعتقاد بها قائلها عن زملائه، ولكنهم يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لنا. لم أفاجأ بفتوى ذي المنصب الأزهري الرفيع بالردة، وقد دفع منصبه ثمنا لصراحته. كما لم تفاجئني ردود الفعل المستنكرة للفتوى، فهي تتسق مع تراث فقهي يحذر ويحظر الاقتراب منه، وقتله بحثا في نص كلمات الشيخ أمين الخولي. ففي استطلاع بصحيفة «الأخبار» الرسمية عقب الفتوى قدم رجال دين فتاوى لا تختلف عن صاحب فتوى الردة إلا في الدرجة وآليات التكفير. كما تثبت فتاواهم أنهم يملأون قِرَب التكفير من معين واحد، وأننا نحيا في دولة شبه دينية. مفتي مصر شوقي علام قال إنه لا يجوز تكفير الناطق بالشهادتين «إلا إذا ثبت جحوده لأمر معلوم من الدين بالضرورة»، فلا يجوز تكفير مسلم بالشبهة، وإنما يجب أن يناقش لكي تزول شبهته، فإذا أصر على ذلك «يرفع أمره للقاضي فهو المكلف بإصدار حكم التكفير أو الردة، بعد التأكد من انتفاء جميع الموانع». ربما لا يتصور المفتي إلا أننا في دولة دينية، ومن الضروري أن يكون القاضي مسلما، ليقضي في هذا الشأن. وقد سكت المفتي على ما يلي الحكم القضائي بالردة، وهو القتل بالطبع، ولا أستبعد أن يأتي رجل دين مثل محمد الغزالي فيقر آحاد الناس على تنفيذ الحد المسمى «الردة»، مثلما شهد في قضية اغتيال فرج فودة بجواز النيابة عن الحاكم في قتل «المرتد». وقبل أن أنتقل من المفتي إلى غيره أسجل قوله «الحكم على أحد من المسلمين بالكفر والردة لا يكون إلا بشروط لا تتحقق إلا بصعوبة بالغة.. ولا يكون التكفير إلا لدى هيئات معتبرة شرعا». فما وجه اختلاف كلام المفتي عن فتوى القائم بأعمال رئيس جامعة الأزهر؟ نصر فريد واصل المفتي السابق للديار المصرية أوضح أيضا أن «الردة هي إنكار المعلوم من الدين بالضرورة كنكران وجود الله والجنة والنار والحساب والبعث والصلاة والأنبياء». في عودة إلى محاكم التفتيش في قضايا تخص حرية العقيدة التي يكفلها الدستور المصري ومواثيق حقوق الإنسان. ولكن المفتي السابق -الذي يعلم أن الدنيا لو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء- انشغل بحكم الردة فهو «أمر قضائي بحت لا يصدره إلا القاضي بناء على دلائل وأسانيد قوية»، في حنين أو استدعاء للمحاكم الشرعية التي ألغيت بمقتضى قانون توحيد الهيئات القضائية عام 1955. وقال إن الفقيه لا يستطيع الحكم بردة أحد أيا كان سلوكه، «ولكن يمكنه تحريك دعوى قضائية تتهمه بالردة، ويحكم فيها القاضي بصفة نهائية». وسكت المفتي السابق على ما يلي الحكم القضائي بالردة، فما وجه اختلاف كلامه عن كلام المفتي الحالي، عن فتوى القائم بأعمال رئيس جامعة الأزهر؟ أعود إلى «فقه السنة»، وهو الكتاب الأشهر فلا يكاد بيت يخلو منه، لأجد السيد السابق يكتب في باب حكم تارك الصلاة أن تركها جحود وإنكار «كفر وخروج عن الملة، بإجماع المسلمين. أما من تركها مع إيمانه بها واعتقاده فرضيتها، ولكن تركها تكاسلا أو تشاغلا عنها؛ بما لا يعد في الشرع عذرا فقد صرحت الأحاديث بكفره ووجوب قتله». وكان الشيخ متولي الشعراوي أكثر رحمة، فاشترط استتابة تارك الصلاة ثلاثة أيام قبل قتله. فما وجه اختلاف «فقه السنة» وفقه الشعراوي عن فتوى القائم بأعمال رئيس جامعة الأزهر؟ إن بعث الروح في مقولة «المعلوم من الدين بالضرورة» صندوق باندورا الذي سيفتح على الدين شرور التطرف الرسمي والشعبي والعشوائي، حينها لن يجدي اعتذار القائم بأعمال رئيس جامعة الأزهر عن فتوى بالردة، ولن يفيد عزل شيخ الأزهر له. ولا يبقى إلا الرهان على الإيمان بأن هذا الدين متين، وأقوى من خيال الناطقين باسمه؟ كاتب مصريسعد القرش

مشاركة :