أسئلة ما بعد الموصل بقلم: د. ماجد السامرائي

  • 6/29/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

مشكلة الأمن في العراق هي جزء من المشكلة السياسية، إن لم تؤخذ بعين الاعتبار سينتظر العراقيون احتمالات ولادة تنظيم متطرف جديد يعيد دورة العنف والموت.العرب د. ماجد السامرائي [نُشر في 2017/06/29، العدد: 10676، ص(8)] عودة الموصل لأهلها وللوطن العراق تحتاج إلى موقف رسمي معلن بعد أن تم سحق مركز التطرف وعنوان الموت والتخلف (داعش). كان من الطبيعي أن يطرد أهل الموصل مع إخوتهم العراقيون هذا الوحش الغريب، فتاريخهم الحافل بقصص طرد الغزاة، لن تستعصي عليه عصابات طارئة استندت في اجتياحها على وهن الأمن ورجال السياسة. انهزم داعش، وأراد قبل هزيمته أن يترك على جدار الموصل علامة وحشيته بتفجيره جامع النوري ومنارة الحدباء. العمل الذي أبهج الكثير من أعداء أهل الموصل والعراق لاستهدافه رمزا من رموز كبريائهم. أثار اجتياح داعش للموصل، ومن بعدها صلاح الدين والأنبار وديالى عام 2014، تساؤلات العراقيين عن تلك القدرة الأسطورية المزعومة لهذه الشرذمة وكيف هزمت ثلاث فرق عسكرية مدربة. والسؤال الأكثر أهمية هو هل أن داعش بتلك القوة التي تتطلب حشدا أميركيا وإيرانيا وعراقيا ومعارك بجميع صنوف السلاح الحديث على مدى ثلاث سنوات لتتمكن من هزيمته. لا شك أن انتصار العراقيين على تنظيم داعش يشكل علامة جديدة على قدرتهم، ولكن هل تنتهي مشكلة أهل الموصل لمجرد إزاحة التطرف، وكم من أهلها سيعودون إلى ديارهم وكيف ستنتهي مهمة البحث عن المفقودين ومن بينهم شباب قتلهم (داعش) أو تم اقتيادهم إلى المجهـول تحت ذرائع الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية، علما أن أهل الموصل هم ضحايا إرهاب هذا التنظيم. وهل ستنتهي قصص الرعب بين صفوف الصبية والأطفال التي خلفتها سياسة (داعش) في نفوسهم. وهل سيتعرض أهل الموصل إلى موجة من الإذلال تحت شعارات أكثر قسوة، وهل ستظهر قوى سياسية تدخل المدينة في تعقيدات جديدة. الموصل بحاجة إلى هيئة حاكمة نزيهة لا علاقة لها بمجلس المحافظة، وأنا من المؤيدين لقيام حاكم عكسري يرأس هيئة شعبية عليا بعيدة عن الأحزاب والميليشيات. الدرس الوطني الأول لاجتياح الموصل هو لو كانت هناك حكومة مركزية قوية لما تمكن بضع عشرات من الإرهابيين من احتلال مدينة بضخامة الموصل تنتشر على أرضها ثلاث فرق عسكرية مجهزة بأحدث الأسلحة. هناك من يتعلل بالحواضن ويثير زوابع التشكيك بأهلها، خصوصا وأن الموصل تضم مجموعة من ضباط وجنود الجيش العراقي السابق الذي تم حله وتسريح منتسبيه وتشريد عوائلهم، وحين وجدوا من يقف مسلحا بوجه السلطة لم يعارضوه بل دعموه في الأيام الأولى، ثم وقفوا بوجهه لاحقا. هناك قصص مؤلمة واجهها عدد كبير من ضباط الجيش العراقي المنحل على أيدي المنتفعين والباحثين عن الكسب غير المشروع تحت عنوان العمل على رعايتهم وإعادتهم للخدمة أو باب “المصالحة”، لكن الحصيلة هي أن السماسرة حصلوا على المال الوفير لقاء دولارات معدودة قدمت للعسكريين معجونة بالمهانة. زهو الانتصار يجب ألا يحجب الرؤيا لمرحلة ما بعد داعش. أهم خطوة على المستوى السياسي تتحملها الأحزاب الحاكمة ورئيس الحكومة، وهي البحث عن الأسباب السياسية قبل العسكرية لاجتياح داعش للعراق، يجب مراجعة السياسات التي طبقت ضد أهل الموصل وبقية المحافظات العربية السنية من اضطهاد ومهانة وسحق كرامة الناس. على المستوى الاستراتيجي، من يكسب رهان أهل الموصل ومن يقود أهلها، هل تقوده حكومة العبادي الحالية، أم القوى السنية التقليدية، أم قوى الحشد الشعبي، أم ستظهر على الساحة قوى تغيير محلية ليبرالية جديدة تبشر بعراق جديد. لعل العبادي أكثر قدرة على استثمار الانتصار العسكري بوصفه رئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة، إن كان يحمل مشروعا وطنيا جامعا وليس مشروعا لحزب أو طائفة. أو أن وضع ما بعد الموصل وتفاهمات المصالح الإقليمية والدولية، التي مازالت عند مرحلة الشد والجذب، هي التي ستحدد مصير العراق والمنطقة والموصل قطعة منها. معطيات الداخل العراقي الأمنية والسياسية لعبت دورا كبيرا في المشهد السياسي منذ لحظة دخول التنظيمات الإرهابية إلى العراق بعد عام 2003، فمشكلة الأمن في العراق هي جزء من المشكلة السياسية، إن لم تؤخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار، سينتظر العراقيون احتمالات ولادة تنظيم متطرف جديد يعيد دورة العنف والموت. لا توجد مؤشرات إيجابية لقرارات موحدة واضحة تصدر عن الأحزاب الحاكمة، بسبب حالة التفكك والتنافر بين قوى التحالف الشيعي، أو بسبب خلافات القوى السنية مع بعضها، والمفككة أصلا، أو مع القوى الكردية التي بدأت رحلة اللاعودة مع العراق. مع نهاية معركة الموصل تصاعد نشاط النفوذ العسكري في سوريا، فاليوم يحاول الروس والأميركيون والإيرانيون والأتراك ووكلاؤهم رسم خطوط النفوذ بالنار على طول الحدود العراقية السورية، والصراع مشتد على درعا واللاذقية والرقة، حيث تتشابك وتتباعد فرق الميليشيات الكردية والشيعية داخل جغرافية البلدين السوري والعراقي، يربطها خط الولاء الأيديولوجي والعسكري، وتبدو الخطوات أكثر وضوحا في ما يسمى “المناطق الآمنة” المقاربة للحدود الطويلة من الجنوب التركي وحتى الشمال الأردني والغرب العراقي حيث تتجمع قوات من (الحشد الشعبي) العراقي في سعي لالتقائها بقوات النظام السوري، لبناء خط مقابل للنفوذ الأميركي المساند لقوات (سوريا الديمقراطية) في لعبة لي الأذرع ما بين أميركا وروسيا بالدرجة الأولى، وإيران وتركيا بالدرجة الثانية. قد لا يكون هناك نصر حاسم لطرف على آخر. وقد لا تريد جميع الأطراف الوصول إلى هدف “تقسيم سوريا”، حيث لا منافع من حصص التقسيم، فروسيا تطمح مقابل حماية نظام تعلم أنه قتل شعبه، إلى إقامة قواعد نفوذ ثابتة في سوريا، المكان الوحيد لها في المنطقة. وأميركا، التي تحاول في ظل إدارة (ترامب) مراجعة مشاريع إدارتها السابقة، تحاول كسب رهان (الانتصار على داعش والإرهاب والتطرف) وتعمل على تقليم أظافر (إيران) لتقليل نفوذها في هذه البقعة الحساسة من العالم. إلا أن رؤيتها مازالت غامضة غير فاعلة. أما إيران فقد بدأت فعليا برسم خطها الاستراتيجي. أما تركيا المنكفئة بسبب سياسة واشنطن ضدها، والتي تحولت إلى التحالف مع روسيا، فتركز على أمنها الداخلي الذي يهدده الحزب الكردي التركي (بي كا كا) وعلاقته بخارطة ما بعد الموصل، وذهاب أكراد العراق إلى حد الانفصال . في ظل هذه الصورة الملتبسة للمنطقة الملتهبة وما ستشهدها من تحولات مذهلة يجب على سياسيي العراق مراجعة مسيرتهم، والتفكير جديا بعقل عراقي مستقل يضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار حزبي أو طائفي، والابتعاد عن سياسة المحاور وعدم الاستناد على الآخر الخارجي فلا أحد يعطف على العراق ويعمل لمصلحته سوى أهله. كاتب عراقيد. ماجد السامرائي

مشاركة :